(لنا هذا) أي المركوب فانقاد لأضعفنا {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} ، أي مطيقين ومقتدرين عليه من أقرن له إذا أطاقه وقوي عليه، أي ما كنا نطيق قهره واستعماله، لولا تسخير الله تعالى إياه لنا:{وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}(٤٣: ١٤) ، أي لصائرون إليه بعد مماتنا وإليه سيرنا الأكبر واللام للتأكيد، وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة، كما نبه بالزاد الدنيوي على الزاد الأخروي في قوله تعالى:{وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}(٢: ١٩٧) وباللباس الدنيوي على الأخروي في قوله تعالى {وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ}(٧: ٢٦) قال البيضاوي: اتصال قوله: {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} بما قبله لأن الركوب للنقل والنقلة العظمى هو الانقلاب إلى الله تعالى، فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه، ويستعد للقاء الله، يعني من شكر هذه النعمة أن يذكر عاقبة أمره، ويعلم أن استواءه على مركب الحياة كاستواءه، على ظهر ما سخر له ما لم يكن في المبدأ مطيقًا له ولا يجد في المنتهى بدًا من النزول عنه. كذا في اللمعات. وهذا الدعاء يسن عند ركوب أي دابة كانت لسفر أو غيره. فقول الراوي ((خارجًا إلى السفر)) حكاية للحال ودلالة على ضبط المقال، (اللهم) وفي رواية أحمد (ج٢: ص١٤٥) ، والترمذي ((ثم يقول: اللهم)) (البر) أي الطاعة (والتقوى) ، أي عن المعصية أو المراد من البر الإحسان إلى الناس، أو من الله إلينا ومن التقوى امتثال الأوامر واجتناب النواهي، (ومن العمل) أي جنسه (ما ترضى) ، أي به عنا (اللهم هون) أمر من التهوين أي يسر (علينا سفرنا) ، مفعول لهون (هذا) ، وفي رواية الترمذي ((اللهم هون علينا المسير)) ، (واطو) أمر من طوى يطوي طيا (لنا بعده) كذا في جميع النسخ، وهكذا في المصابيح، وشرح السنة، والمسند (ج٢: ص١٤٥) ، وسنن أبي داود، والدارمي، والذي في صحيح مسلم ((واطو عنا بعده)) ، وهكذا في المسند (ج٢: ص١٥١) ، وجامع الأصول، والحصن. وللترمذي ((واطو عنا بعد الأرض)) أي قرب لنا بعد هذا السفر. قيل: هو عبارة عن تسير السير بإعطاء القوة له ولمركوبه. وقال ابن حجر: اطو لنا بعده حقيقة إذ ورد ((أن لله ملائكة يطوون الأرض للمسافر كما تطوى القراطيس)) ، أو المراد خفف مشاقه. قلت: لا مانع من حمله على الحقيقة ففيه إشارة إلى طي المكان والزمان، والمعنى ارفع عنا مشقة السفر بتقريب المسافة البعيدة لنا حسًا. (اللهم أنت الصاحب في السفر) ، أي الحافظ والمعين. والصاحب في الأصل الملازم وأراد بذلك مصاحبة الله إياه بالعناية والحفظ، وذلك أن الإنسان أكثر ما يبغي الصحبة في السفر، يبتغيها للاستيناس بذلك والاستظهار به والدفاع لما ينو به من النوائب فنبه بهذا القول على حسن الاعتماد عليه وكمال الاكتفاء عن صاحب سواه. قال البغوي: قوله ((أنت الصاحب في السفر)) أي الحافظ يقال صحبك الله، أي حفظك، وقوله سبحانه وتعالى:{وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ}(٢١: ٤٣) أي لا يجارون، ومن صحبه الله