لم يضره شيء (والخليفة في الأهل) ، الخليفة من ينوب عن المستخلف، فيما يستخلفه فيه يعني الذي يقوم مقام أحد في إصلاح أمره، والمعنى أنت الذي أرجوه وأعتمد عليه في غيبتي عن أهلي، أن يلم شعثهم ويثقف أودهم ويداوي سقمهم ويحفظ عليهم دينهم وأمانتهم، (اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر) ، بفتح الواو وإسكان العين المهملة وبالثاء المثلثلة وبالمد، أي شدته ومشقته وتعبه وأصله من الوعث وهو الرمل والمشي فيه يشتد على صاحبه ويشق ويقال رمل أوعث ورملة وعثاء أي لما يشتد فيه السير للينه ثم قيل للشدة والمشقة وعثاء على التمثيل. وقال التوربشتي: وعثاء السفر مشقته أخذ من الوعث وهو مكان السهل الكثير الدهس الذي يتعب الماشي فيه ويشق عليه (وكآبة المنظر) ، قال الجزري: المنظر هو ما ينظر إليه من أهله وماله وحاله، والكآبة بفتح الكاف وبالمد وهي تغير النفس بالانكسار من شدة الهم والحزن يقال كئب كآبة واكتئب فهو مكتئب وكئيب - انتهى. وقال الشوكاني: الكآبة بالمد التغير والانكسار من مشقة السفر وما يحصل على المسافر من الاهتمام بأموره - انتهى. والمنظر بفتح الظاء المعجمة مصدر ميمي أي من تغير الوجه بنحو مرض والنفس بالانكسار مما يعرض لها فيما يحبه مما يورث الهم والحزن وقيل: المراد منه الاستعاذة من كل منظر يعقب الكآبة عند النظر إليه (سوء المنقلب) بفتح اللام مصدر ميمي أي سوء الرجوع (في المال والأهل) أي من سوء الانقلاب إلى أهله وماله وذلك بأن يرجع منقوصًا مهمومًا بما يسوءه وقيل أي من أن يعود إلى وطنه فيرى في أهله وماله ما يسوءه مثل أن يصيب ماله آفة أو يجد أهله مرضى أو فقد بعضهم، وقيل أي من أن يطمع ظالم أو فاجر في المال والأهل (وإذا رجع) ، أي النبي - صلى الله عليه وسلم - من سفره إلى أهله (قالهن) ، أي الكلمات أو الجمل المذكورة وهي اللهم إنا نسألك (وزاد فيهن) ، أي في جملتهن بأن قال بعدهن (آئبون) ، بهمزة ممدودة بعدها همزة مكسورة اسم فاعل من آب يئوب إذا رجع، ومن تكلم به بالياء بعد الهمزة الممدودة فقد أخطأ كذا قيل: أي نحن راجعون من السفر بالسلامة إلى الوطن (تائبون) أي من المعصية إلى الطاعة (عابدون لربنا حامدون) ، قال الطيبي: لربنا يجوز أن يتعلق بقوله عابدون لأن عمل اسم الفاعل ضعيف فيقوى به أو بحامدون ليفيد التخصيص، أي نحمد ربنا لا نحمد غيره وهذا أولى لأنه كالخاتمة للدعاء - انتهى. وفي الحديث استحباب هذا الذكر عند ابتداء الأسفار كلها، وقد جاءت فيه أذكار كثيرة (رواه مسلم) في المناسك، وأخرجه أيضًا أحمد (ج٢: ص١٤٥، ١٥١) والترمذي في الدعوات، وأبو داود في الجهاد، والنسائي، والدارمي، والبغوي في شرح السنة (ج٥: ص١٤٠) ، وفي رواية أحمد (ج٢: ص١٤٥) ، والدارمي، والترمذي بعد قوله ((في الأهل)) ((اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا)) ، وكان يقول إذا رجع إلى أهله، ((آئبون إن شاء الله تائبون عابدون لربنا حامدون)) . وفي رواية أبي داود نحوه بزيادة ونقصان يسير وفي آخره، ((وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا فوضعت الصلاة على ذلك)) .