وقيل: يشرع في سفر المعصية أيضًا لأن مرتكبها أحوج إلى تحصيل الثواب من غيرع، وهذا التعليل متعقب لأن الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا في معصية من الإكثار من ذكر الله وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فتختص به كالذكر المأثور عقب الأذان وعقب الصلاة وإنما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها (يكبر) أي يقول الله أكبر (على كل شرف) بفتح المعجمة والراء بعدها فاء وهو المكان العالي، قال الجزري: الشرف ما ارتفع من الأرض. ووقع في رواية مسلم بلفظ ((إذا أوفى (أي ارتفع وعلا وأشرف واطلع) على ثنية (بمثلثة ثم نون ثم تحتانية مشددة هي العقبة في الجبل وقيل المرتفع من الأرض كالنشر والرابية وقيل هو طريق بين جبلين) أو فدفد)) (بفتح الفاء بعدها دال مهملة ثم فاء ثم دال والأشهر تفسيره بالمكان المرتفع، وقيل هو الأرض المستوية، وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره، وقيل غليظ الأودية ذات الحصى، وقيل الجلد من الأرض في ارتفاع وجمعه فدافد) قال الطيبي وجه التكبير على الأماكن العالية وهو استحباب الذكر عند تجدد الأحوال والتقلبات وكان - صلى الله عليه وسلم - يراعي ذلك في الزمان والمكان لأن اختلاف أحوال العبد في الصباح والمساء والصعود والهبوط وما أشبه ذلك مما ينبغي أن لا ينسى ربه عند ذلك فإنه هو المتصرف في الأشياء بقدرته المدبر لها قبل صنعه - انتهى. وقال الزين العراقي: مناسبة التكبير على المرتفع أن الاستعلاء محبوب للنفس وفيه ظهور وغلبة فينبغي للمتلبس به أن يذكر عنده أن الله أكبر من كل شيء ويشكر له ذلك ويستمطر منه المزيد (ثم يقول: لا إله إلا الله) إلخ. قال الحافظ: يحتمل أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير وهو على المكان المرتفع ويحتمل أن التكبير يختص بالمكان المرتفع وما بعده إن كان متسعًا أكمل الذكر المذكور فيه وإلا فإذا هبط سبح كما في حديث جابر (الآتي في أواخر الفصل الثالث من هذا الباب) ويحتمل أن يكمل الذكر مطلقًا عقب التكبير ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط. قال القرطبي: وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع الأماكن (آئبون) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي نحن آئبون أي راجعون وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاوف المذكورة (تائبون) أي إلى ربنا من التوبة وهي الرجوع عما هو مذموم إلى ما هو محمود شرعًا وفيه إشارة إلى التقصير في العبادة قاله - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التواضع أو تعليمًا لأمته أو المراد أمته وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب (عابدون ساجدون لربنا حامدون) كلها رفع بتقدير نحن والجار والمجرور