فالمحدث الدهلوي السيد نذير حسين - رحمه الله - نشر هذه الحركة المقدسة تدريساً، والسيد النواب - رحمه الله - قد أسهم فيها بتأليف الكتب الكثيرة والتزامه بطبع المؤلفات النافعة النادرة الوجود على حسابه الخاص وتوزيعها في العالم الإسلامي، {مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها} .
وألف السيد صديق حسن خان - رحمه الله - على أساس خطة التفكير الفقهي للشاه ولي الله - رحمه الله - في سنة ١٢٧٨هـ شرحاً لبلوغ المرام باللغة الفارسية باسم "مسك الختام"، وفي سنة ١٢٩٤هـ "عون الباري" شرح تجريد صحيح البخاري للشرجي، وفي سنة ١٢٩٩هـ "السراج الوهاج" شرح تلخيص الصحيح لمسلم للمنذري. هذا بجنب طبعه لاستفادة أهل العلم وأصحاب التحقيق "نيل الأوطار" سنة ١٢٩٧هـ، وفتح الباري سنة ١٣٠٠هـ بالمطبعة الأميرية ببولاق (مصر) بمبالغ باهضة مع عنايته واهتمامه بترجمة كتب الصحاح الستة مع موطأ الإمام مالك وطبعها؛ ليستنير عامة الناس من أنوار علوم السنة رأساً وبدون واسطة.
ومن تلامذة المحدث الدهلوي العلامة الشيخ أبوالطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي (م١٣٢٩هـ) ألف "عون المعبود" شرح سنن أبي داود، والشيخ أبوالعلي محمد عبد الرحمن المباركفوري (م١٣٥٢هـ) شرح الجامع للترمذي باسم "تحفة الأحوذي"، والشيخ محمد أبوالحسن السيالكوتي شرح صحيح البخاري باللغة الأردية في ٣٠ مجلداً، وسماه فيض الباري، والشيخ عبد الأول الغزنوي الأمرتسري (م ١٣٣١هـ) بن محمد (١) بن العارف بالله الشيخ عبد الله الغزنوي - رحمهم الله تعالى - ترجم مشكاة المصابيح وعلق عليها وطبعها.
ومن مفاخر علماء أهل الحديث في شبه القارة الهندية أنه باهتمامهم فحسب طبع أول مرة عدة من كتب الحديث القيمة، أمثال: السنن للنسائي، والسنن للدارقطني، والتلخيص الحبير، وغيرها، وإنها لحقيقة ثابتة أن تلك المطبوعات هي التي يستفيد بها أصحاب التدريس والإفتاء وأهل التحقيق، فلله الحمد على ذلك.
وعلى كل حال فقد استمرت نهضة تجديد وإحياء السنة بكل قوتها وحيويتها بفضل مساعي جماعة أهل الحديث الهندية وجهودها العلمية والعملية، واستنارت بأشعة هذا النور العظيم أرجاء العالم الإسلامي النائية، واعترف عديد من أهل العلم والتحقيق في العالم الإسلامي في العهد الحاضر بسبق علماء أهل الحديث في الهند في ميدان نشر علوم السنة وطبع كتبها. فالشيخ العلامة رشيد رضا المغفور له يقدّر ويحسن جهودهم بما نصه:"ولولا عناية إخواننا علماء الهند بعلوم الحديث في هذا العصر لقضي عليها بالزوال من أمصار الشرق، فقد ضعفت في مصر والشام والعراق والحجاز منذ القرن العاشر حتى بلغت منتهى الضعف في أوائل القرن الرابع عشر ... "(مقدمة مفتاح كنوز السنة) .
ويمدحهم محقق آخر من مصر الشيخ عبد العزيز الخولي: " ... ولا يوجد في الشعوب الإسلامية من وفى الحديث قسطه من العناية في هذا العصر مثل إخواننا مسلمي الهند، أولئك الذين وجد بينهم حفاظ للحديث، ودارسون لها على نحو ما كانت تدرس في القرن الثالث، حرية في الفهم، ونظر في الأسانيد، كما طبعوا كثيراً من كتبها النفيسة التي كادت تذهب بها يد الإهمال، وتقضي عليها غير الزمان....، وإن أساس تلك النهضة في البلاد الهندية أفذاذ أجلاء تمخضت بهم العصور الحديثة، وانتهجوا في تحصيل العلوم نهج السلف، فنبه شأنهم وعلا أمرهم وذاع صيتهم،
(١) المعلق على تفسير "جامع البيان" وناشر "المسوى والمصفى" الأول.