للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

- ٥ -

فكان لها الأثر الصالح والسبق الواضح، ومن أشهر هؤلاء الأعلام ولي الله الدهلوي صاحب التصانيف، أشهرها "حجة الله البالغة"، والسيد صديق حسن خان ملك بهوبال صاحب التصانيف الكثيرة، ومن حسناته (يعني السيد حسن خان) طبع فتح الباري ونيل الأوطار وتفسير الحافظ ابن كثير ... ، طبعت هذه على نفقته في المطبعة الأميرية بمصر، فكانت من أنجح وسائل إحياء السنة ... ، وفي الهند الآن طائفة تهتدي بالسنة في كل أمور الدين، ولا تقلد أحداً من الفقهاء ولا المتكلمين وهي طائفة المحدثين". ... (مفتاح السنة ص١٦٩) .

ومحقق آخر الشيخ محمد منير الدمشقي يبدي رأيه عن حركة إحياء السنة هذه بما يأتي: "وهي نهضة عظيمة، أثرت على باقي البلاد الإسلامية، فاقتدى بها غالب البلاد الإسلامية في طبع كتب الحديث والتفسير". (أنموذج من الأعمال الخيرية ص (٤٦٨) .

ويكتب عن "السيد صديق حسن خان": "كم له من أيادٍ بيضاء في خدمة العلم والعلماء، وإن جحد فضله الحاسدون وضعفاء العقول المتصنعون". (أنموذج ص٣٨٨) .

هذه هي حكاية ما أنجزه علماء أهل الحديث في شبه القارة الهندية من الأعمال الذهبية في سبيل إحياء السنة وتجديد نهضة الشاه ولي الله - رحمه الله - باختصار، ولو سلك مسلكه واختار منهجه العلماء المنتسبون إلى أسرته أيضاً لكان الوضع الديني لبلادنا مختلفاً تماماً عن الوضع الحالي.

وقد حدث - مع الأسف الشديد - أن طائفة من علماء أسرته قد ترك منهج تدريسه، وترويج علوم الحديث لبعض مصالحها الخاصة بعد وفاته بمدة لا تطول، ولا شك أن تلك الطائفة قد ساهمت في نشر الدين بجهود لا تنكر قيمتها، ولكنهم لم يرضوا بإعطاء علوم الحديث حظها من عنايتهم، فإنهم جعلوا نصب أعينهم عند الاشتغال بعلم الحديث مقاصد خاصة، مثل بعض سلفهم من المؤلفين وشراح الحديث، ودرسوا هذه الكتب التي أساسها على الاجتهاد، على طريقة أصحاب الرأي، معرضين عن منهج الشاه ولي الله - رحمه الله -، وزينت تلك الكتب بحواشٍ مفيدة ولكن غلبت عليهم العصبية الطائفية في شرح وتطبيق بعض الأحاديث وتعيين درجتها من الصحة والضعف.

ويبذل قصارى الجهد في إبعاد الطالب عن تأثير ما ورد في المواضع المختلف فيها من الكتاب، والتعليق يكون مخالفاً للمتن، والحديث المعارض للمذهب في نظر المحشي أو المدرس يعرض للتأويل والتوجيه، ولكن الذي حظي بالموافقة لمذهبهم يقبل من غير أن ينظر إلى مرتبته من الصحة والضعف، والغرض من هذا التكلف أن لا يتسع طلبة الحديث فكراً وصدراً بل ينحصروا في حصار خاص، ويتقيدوا بقالب معين، وإذا انبعث فيهم شعور بالنقد والتحقيق فلا يكون إيجابياً ومنتجاً بل سلبياً وجارحاً.

ولو طالع أحد حواشي وتعليقات من هو في الطبقة العليا من فقهاء الهند على كتب الحديث على سبيل المثال، لوجد لما ادعيناه في السطور الأولى أسساً ثابتة فيها، أعني بها حواشي الشيخ أحمد علي السهارنبوري (م١٢٩٧هـ) على صحيح البخاري، والجامع للترمذي ومشكاة المصابيح، وحواشي الشيخ عبد الغني المجددي (م ١٢٩٦هـ) ، والشيخ محمد التهانوي على سنن ابن ماجه وسنن النسائي، وحاشية النواب محمد قطب الدين الدهلوي (م ١٢٨٩هـ) باللغة الأردية على مشكاة المصابيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>