عليه بحيث يتمنى فيها الموت ويختاره عليها أي لو خير بين الموت وبين تلك الحالة لأحب أن يموت تحرزًا عن تلك الحالة، وقيل جهد البلاء كل ما أصاب المرء من شدة المشقة وما لا طاقة له بحمله ولا قدرة له على دفعه، وقيل المراد به قلة المال وكثرة العيال كذا جاء عن ابن عمر والصواب والحق أنه أعم وأن ذلك فرد من أفراد جهد البلاء، استعاذ - صلى الله عليه وسلم - من جهد البلاء لأن ذلك مع ما فيه من المشقة على صاحبه قد يحصل به التفريط في بعض أمور الدين وقد يضيق صدره بحمله فلا يصبر فيكون ذلك سببًا في الإثم (ودرك الشقاء) بفتح الدال والراء المهملتين ويجوز إسكان الراء وهو الإدراك واللحوق والوصول إلى الشيء يقال: أدركته إدراكًا ودركًا، قال الطيبي: ومنه الحديث ((لو قال: إن شاء الله لم يحنث وكان دركًا لحاجته)) وقيل الدرك بفتح الراء اسم وبالإسكان المصدر، والشقاء بفتح الشين وبالقاف والمد الشدة والعسر وهو ضد السعادة، وقال الحافظ: الشقاء هو الهلاك ويطلق على السبب المؤدي إلى الهلاك، قيل المراد بدرك الشقاء سؤء الخاتمة. وقال الشوكاني: درك الشقاء شدة المشقة في أمور الدنيا وضيقها عليه وحصول الضرر البالغ في بدنه أو أهله أو ماله وقد يكون باعتبار الأمور الأخروية وذلك بما يحصل من التبعة والعقوبة بسبب ما اكتسبه من الوزر واقترفه من الإثم استعاذ - صلى الله عليه وسلم - من ذلك لأنه النهاية في البلاء والغاية في المحنة وقد لا يصبر من امتحنه الله به فيجمع بين التعب عاجلاً والعقوبة آجلاً - انتهى. وقيل هو واحد دركات جهنم ودرجاتها ومنازلها ومعناه من موضع أهل الشقاوة وهي جهنم أو من موضع يحصل لكم فيه شقاوة أو هو مصدر إما مضاف إلى المفعول أو إلى الفاعل أي من درككم الشقاء أو من درك الشقاء إياكم (وسوء القضاء) هو ما يسوء الإنسان ويحزنه من الأقضية المقدرة عليه وذلك أعم من أن يكون في دينه أو في دنياه أو في نفسه أو أهله أو في ماله. قال ابن بطال: سوء القضاء عام في النفس والمال والأهل والولد والخاتمة والمعاد قال: والمراد بالقضاء هنا المقضي لأن حكم الله من حيث هو حكمه كله حسن لا سوء فيه. قالوا في تعريف القضاء والقدر: القضاء هو الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل، والقدر هو الحكم بوقوع الجزئيات لتلك الكليات على سبيل التفصيل في الإنزال. قال الله تعالى:{وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَاّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}(١٥: ٢١) قال الشوكاني: وفي الاستعاذة منه - صلى الله عليه وسلم - من سوء القضاء ما يدل على أنه لا يخالف الرضاء بالقضاء فإن الاستعاذة من سوء القضاء هي من قضاء الله سبحانه وتعالى وقدره ولهذا شرعها لعباده. ومن هذا ما ورد في قنوت الوتر بلفظ ((وقني شر ما قضيت)) قال: والقضاء (أي المقضي به) باعتبار العباد ينقسم إلى قسمين خير وشر وقد شرع لهم الدعاء بالوقاية من شره والاستعاذة منه ولا ينافي هذا ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - في بيان الإيمان لمن سأله عنه بقوله: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خير وشره. فإنه لا مانع من أن يكون الإنسان مؤمنًا بما قضاه الله من خير وشر مستعيذًا بالله من شر القضاء عملاً بمجموع الأدلة فحديث الإيمان بالقضاء دل على أن القضاء منقسم إلى ما هو خير وإلى ما هو شر فتؤمن به ولما وقع منه - صلى الله عليه وسلم - الاستعاذة من سوء القضاء وأمرنا أيضًا بالاستعاذة منه فنستعيذ منه