للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ.

ــ

فإيماننا واستعاذتنا كلاهما تحت أمر الشارع عليه الصلاة والسلام انتهى بتغير يسير. وقال السندي: المقضي حيث القضاء أزلي فأي فائدة في الاستعاذة منه؟ والظاهر أن المراد صرف المعلق منه فإنه قد يكون معلقًا، والتحقيق أن الدعاء مطلوب لكونه عبادة وطاعة ولا حاجة لنا في ذلك إلى أن نعرف الفائدة المترتبة عليه سوى ما ذكرنا (وشماتة الأعداء) بفتح الشين المعجمة وهي فرح الأعداء بما يقع من يعادونه من المكروه ويحل به من المحنة. قال في الصحاح: الشماتة الفرح ببلية العدو ويقال يشمت به بالكسر شماتة، وفي القاموس شمت كفرح شمتًا وشماتة فرح ببلية العدو وفي النهاية شماتة الأعداء فرح العدو ببلية تنزل بمن يعاديه. قيل: أي تعوذوا من فرح أعداء الدين والدنيا المتعلقة بالدين وأما إذا كان رجل مثلاً له من الدنيا ما يسرف فيه ويبطر ويفسق ويظلم فيشمت بزوالها الأعداء فلا استعاذة منه. وقال القاري: أي قولوا نعوذ بك من أن تصيبنا مصيبة في ديننا أو دنيانا بحيث بفرح أعدائنا وبهذا علم أن الكلمات الأربعة جامعة مانعة لصنوف البلاء وأن بينها عمومًا وخصوصًا من وجهه كما في كلام البلغاء والفصحاء، وقيل: الخصلة الأخيرة، أي شماتة الأعداء تدخل في عموم كل واحدة من الثلاثة ثم كل واحدة من الثلاثة مستقلة فإن كل أمر يكره يلاحظ فيه جهة المبدأ وهو سوء القضاء وجهة المعاد وهو درك الشقاء لأن شقاء الآخرة هو الشقاء الحقيقي وجهة المعاش وهو جهد البلاء، وأما شماتة الأعداد فتقع لكل من وقع له كل من الخصال الثلاثة. قلت: والحديث رواه مسلم بلفظ ((كان يتعوذ من سوء القضاء ومن درك الشقاء ومن شماتة الأعداء ومن جهد البلاء)) قال الكرماني: هذه الكلمة جامعة لأن المكروه إما أن يلاحظ من جهة المبدأ وهو سوء القضاء، أو من جهة المعاد وهو درك الشقاء، أو من جهة المعاش وهو إما من جهة غيره وهو شماتة الأعداء، أو من جهة نفسه وهو جهد البلاء، نعوذ بالله منه - انتهى. قال السندي: وأنت خبير بأنه لا مقابلة على ما ذكره بين سوء القضاء وغيره بل غيره كالتفصيل لجزئياته فالمقابلة ينبغي أن تعتبر باعتبار أن مجموع الثلاثة الأخيرة بمنزلة القدر فكأنه قال من سوء القضاء والقدر لكن أقيم أهم أقسام سوء القدر مقامه، يعني أستعيذ بسوء القضاء ثم أتبع بأهم أقسام سوء القدر، فلا مقابلة بين سوء القضاء وغيره، بل غيره كالتفصيل لجزئياته، بقي أن المقضي من حيث القضاء أزلي فأي فائدة في الاستعاذة منه؟ والظاهر أن المراد صرف المعلق منه فإنه قد يكون معلقًا والتحقيق أن الدعاء مطلوب لكونه عبادة وطاعة ولا حاجة لنا في ذلك إلى أن نعرف الفائدة المترتبة عليه سوى ما ذكرنا - انتهى. قال الشوكاني: استعاذ - صلى الله عليه وسلم - من شماتة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها لعظم موقعها وشدة تأثيرها في الأنفس البشرية ونفور طباع العباد عنها وقد يتسبب عن ذلك تعاظم العداوة المفضية إلى استحلال ما حرمه الله سبحانه وتعالى. وقال ابن بطال: شماتة الأعداء ما ينكأ القلب ويبلغ من النفس أشد مبلغ وإنما تعوذ النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك تعليمًا لأمته، فإن الله تعالى آمنه من جميع ذلك. قال الحافظ: ولا يتعين ذلك بل يحتمل أن يكون استعاذ بربه من وقوع ذلك بأمته ويؤيده رواية مسدد المذكورة بصيغة الأمر، وفي الحديث دلالة على أن الكلام المسجوع

<<  <  ج: ص:  >  >>