بقوله تعالى:{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ}(٦٧: ٨) وأصل الفتنة الامتحان والاختبار واستعملت في الشرع في اختبار كشف ما يكره ويقال فتنت الذهب إذا اختبرته بالنار لتنظر جودته، وفي الغفلة عن المطلوب كقوله:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}(٦٤: ١٥) وتستعمل في الإكراه على الرجوع من الدين كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}(٨٥: ١٠) قال الحافظ: واستعملت أيضًا في الضلال والإثم والكفر والعذاب والفضيحة ويعرف المراد حيث ما ورد بالسياق والقرائن (وفتنة القبر) ، أي التحير في جواب الملكين. قال الشوكاني: هي ما ورد أن الشيطان يوسوس للميت في قبره ويحاول إغوائه وخذلانه عند سؤال الملكين له (وعذاب القبر) هو ما يترتب بعد فتنته على المجرمين، فالأول كالمقدمة للثاني وعلامة عليه (ومن شر فتنة الغنى) هي البطر والأشر والطغيان وتحصيل المال من الحرام وصرفه في العصيان والتفاخر بالمال والجاه والشح بما يجب إخراجه من واجبات المال ومندوباته (وشر فتنة الفقر) كالتسخط وقلة الصبر والوقوع في الحرام أو شبهته للحاجة. وقال القاري: هي الحسد على الأغنياء والطمع في أموالهم والتذلل بما يدنس العرض ويثلم الدين وعدم الرضاء بما قسم الله له وغير ذلك مما لا تحمد عاقبته. وقيل الفتنة هنا الامتحان والبلاء، أي ومن بلاء الغنى وبلاء الفقر، أي ومن الغنى والفقر الذي يكون بلاء ومشقة من أن يحصل منا شر إذا امتحنا الله إيانا بالغناء وبالفقر بأن لا نؤدي حقوق الأموال ونتكبر بسبب الغناء وبأن لا نصبر على الفقر. وقال الطيبي: إن فسرت الفتنة بالمحنة والمصيبة فشرها أن لا يصبر الرجل على لأوائها ويجزع منها، وإن فسرت بالامتحان والاختبار فشرها أن لا يحمد في السراء ولا يصبر في الضراء. قال بعض المحققين: قيد فيهما بالشر لأن كلاً منهما فيه خير باعتبار وشر باعتبار فالتقييد بالاستعاذة منه بالشر يخرج ما فيه من الخير سواء قل أو كثر. قلت: جاء في هذه الرواية لفظ الشر في الفقرتين وذكر في رواية للبخاري في الفقرة الأولى دون الثانية. قال الكرماني في الكواكب: فإن قلت: لم زاد لفظ الشر في الغنى ولم يذكره في الفقر ونحوه وأجاب بأنه تصريح بما فيه من الشر وأن مضرته أكثر من مضرة غيره أو تغليظًا على الأغنياء حتى لا يغتروا بغناهم ولا يغفلوا عن مفاسده أو إيماء إلى أن صورته لا يكون فيها خير بخلاف صورة الفقر فإنها قد تكون خيرًَا - انتهى. وتعقبه الحافظ في الفتح بأن هذا كله غفلة عن الواقع فإن الذي ظهر لي أن لفظة شر في الأصل ثابتة في الموضعين وإنما اختصره بعض الرواة فسيأتي بعد قليل في باب الاستعاذة من أرذل العمر في هذه الرواية من طريق آخر بلفظ ((وشر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر)) ويأتي بعد أبواب أيضًا من طريق أخرى بإسقاط شر في الموضعين والتقييد في الغنى والفقر بالشر لا بد منه لأن كلاً منهما فيه خير باعتبار فالتقييد بالاستعاذة منه بالشر يخرج ما فيه من الخير سواء قل أم كثر - انتهى. وتعقبه العيني فقال: هذا غفلة منه حيث يدعي اختصار بعض الرواة بغير دليل على ذلك، قال وأما قوله وسيأتي بعد بلفظ ((شر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر)) فلا يساعده فيما قاله لأن للكرماني أن يقول يحتمل أن يكون لفظ شر