٢٤٨٤- قوله:(والجبن والبخل) قيل: من خاف فأحجم عن أن يطلب الأمور العظيمة المرضية في الشرع مثل أن يجتهد في تحصيل العلم حتى يبلغه الله تعالى درجة الإرشاد والفتوى فهو جبان إلا أن يكون له عذر من قلة الفهم وسوء الحفظ واشتغاله بتحصيل القوت وغير ذلك ومن منع العلم إذا طلب الناس منه ما يحتاجون إليه في دينهم فهو بخيل (وعذاب القبر) من الضيق والظلمة والوحشة وضرب المقمعة ولدغ العقرب والحية وأمثالهما أو مما يوجب عذابه من النميمة وعدم التطهير ونحوهما (اللهم آت) أمر من الإيتاء، أي: أعط (نفسي تقواها) ، أي: صيانتها عن المحظورات وقيل: أي: ارزقها الاحتراز عما يضرها ويهلكها في الآخرة. قال الطيبي: ينبغي أن تفسر التقوى بما يقابل الفجور في قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}(٩١: ٨) وهي الاحتراز عن متابعة الهوى وارتكاب الفجور والفواحش لأن الحديث كالتفسير والبيان للآية فدل قوله: ((آت)) على أن الإلهام في الآية هو خلق الداعية الباعثة على الاجتناب عن المذكورات وقوله (وزكها) ، أي: وطهرها من الذنوب ونقها من العيوب واجعلها زاكية كاملة في الإيمان (أنت خير من زكاها) دل على أن إسناد التزكية إلى من في الآية هو نسبة الكسب إلى العبد لا خلق الفعل له كما زعمت المعتزلة لأن الخيرية تقتضي المشاركة بين كسب العبد وخلق القدرة فيه يعني قوله: ((من زكاها)) إيماء إلى قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} وإشارة إلى أن ضمير الفاعل في زكاها راجع إلى من ليستقيم ((أنت خير من زكاها)) وأما إذا كان راجعًا إلى الله تعالى فيتعين فإنه المزكي لا غير على ما هو في الحقيقة كذلك وأن الإسناد إلى غيره مجازي. وقال النووي: معنى ((زكها)) طهرها، ولفظة خير ليست للتفضيل بل معناه لا مزكي لها إلا أنت كما قال:(أنت وليها) أي: المتصرف فيها ومصلحها ومزينها، وقيل: ناصرها، وهذا راجع إلى قوله:((آت نفسي تقواها)) كأنه يقول: انصرها على فعل ما يكون سببًا لرضاك عنها لأنك ناصرها (ومولاها) أي: ناصرها وعاصمها. وقيل: عطف تفسيري، وقيل: هذا راجع إلى قوله: ((زكها)) يعني طهرها بتأديبك إياها كما يؤدب المولى عبده. وقال الطيبي: أنت وليها ومولاها. استئناف على بيان الموجب وأن إيتاء التقوى وتحصيل التزكية فيها إنما كان لأنه هو متولي أمورها ومالكها فالتزكية إن حملت على تطهير النفس عن الأفعال والأقوال والأخلاق الذميمة كانت بالنسبة إلى التقوى مظاهر ما كان مكمنًا في الباطن وإن حملت على الإنماء والإعلان والإعلاء بالتقوى كانت تحلية بعد التخلية لأن المتقي شرعًا من اجتنب النواهي وأتى بالأوامر (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) يعني من علم لا أعمل به ولا أعلمه الناس ولا يصل بركته إلى قلبي ولا يبدل أفعالي وأقوالي وأخلاقي المذمومة إلى المرضية ولا يهذبها.