وقال الشوكاني: استعاذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زوال نعمته لأن ذلك لا يكون إلا عند عدم شكرها وعدم مراعاة ما تستحقه النعم وتقتضيه من تأدية ما يجب على صاحبها من الشكر والمواساة وإخراج ما يجب إخراجه (وتحول عافيتك) بضم الواو المشددة أي: تبدلها بالبلاء. قال القاري: أي: انتقالها من السمع والبصر وسائر الأعضاء. فإن قلت ما الفرق بين الزوال والتحول؟ قلت: الزوال يقال في شيء كان ثابتًا لشيء ثم فارقه والتحول تغير الشيء وانفصاله عن غيره. أي: إبدال الشيء بالشيء، فمعنى النعمة ذهابها من غير بدل وتحول العافية إبدال الصحة بالمرض والغنى بالفقر فكأنه سأل دوام العافية وهي السلامة من الآلام والأسقام وقال الطيبي: أي: تبدل ما رزقتني من العافية إلى البلاء والداهية، والحديث رواه أبو داود أيضًا إلا أن في بعض نسخ السنن ((وتحويل عافيتك)) من باب التفعيل فيكون من باب إضافة المصدر إلى مفعوله، واستعاذ من ذلك لأن من اختصه الله سبحانه بعافيته فاز بخير الدارين فإن تحولت عنه فقد أصيب بشر الدارين فإن العافية يكون بها صلاح من أمور الدنيا والآخرة (وفجاءة نقمتك) بضم الفاء وفتح الجيم ممدودة بمعنى البغتة مشتقة من فاجأه مفاجأة إذا جاءه بغتة من غير أن يعلم بذلك، ويروى فجأة بفتح الفاء وإسكان الجيم من غير مد، والنقمة بكسر النون وسكون القاف، وفي رواية بفتح فكسر ككلمة العقوبة، وقال القاري: هي المكافأة بالعقوبة والانتقام بالغضب والعذاب، وخص فجاءة النقمة بالذكر لأنها أشد من أن تصيب تدريجًا كما ذكره المظهر واستعاذ - صلى الله عليه وسلم - من ذلك من حيث لا يكون له علم به ولا تكون له فرصة ومهلة للتوبة لأنه انتقم الله من العبد فقد أحل به من البلاء ما لا يقدر على دفعه ولا يستدفع بسائر المخلوقين وإن اجتمعوا جميعًا كما ورد في الحديث الصحيح القدسي أن العباد لو اجتمعوا جميعًا على أن ينفعوا أحدًا لم يقدروا على نفعه، أو اجتمعوا جميعًا على أن يضروا أحدًا لم يقدروا على ضره (وجميع سخطك) بالتحريك، أي ما يؤدي إليه يعني سائر الأسباب الموجبة لذلك، وإذا انتفت أسبابها حصلت أضدادها وهو إجمال بعد تفصيل وتعميم بعد تخصيص، أو المراد جميع آثار غضبك، واستعاذ - صلى الله عليه وسلم - من جميع سخطه لأنه سبحانه إذا سخط على العبد فقد هلك وخاب وخسر، ولو كان السخط في أدنى شيء وبأيسر سبب. (رواه مسلم) في الدعاء، وكذا البخاري في الأدب المفرد (ج٢: ص١٢٦) ، وأبو داود في أواخر الصلاة، والحاكم (ج١: ص٥١٣) ونسبه في الحصن للنسائي أيضًا ولعله في الكبرى.
٢٤٨٦- قوله:(اللهم إني أعوذ بك) قال الطيبي: استعاذ مما عصم منه ليلتزم خوف الله تعالى وإعظامه والافتقار إليه وليقتدى به وليبين صفة الدعاء، وقال الشوكاني: هذا تعليم منه - صلى الله عليه وسلم - لأمته ليقتدوا به وإلا فجميع أعماله سابقها