أعين الناس بحيث يستخفونه ويحقرون شأنه، وقيل: المراد بها الذلة الحاصلة من المعصية أو التذلل للأغنياء على وجه المسكنة، والمراد بهذه الأدعية تعليم الأمة ولا ينافي هذا الحديث قوله:((اللهم أحيني مسكينًا)) إلخ، الآتي في فضل الفقراء لأن المراد بالمسكنة التواضع وعدم التكبر لا الفقر. قال المناوي: لم يسأل مسكنة ترجع للقلة بل إلى الإخبات والتواضع ذكره البيهقي وجرى على قضيته حجة الإسلام أي الغزالي حيث قال: استعاذته من الفقر لا تنافي طلب المسكنة لأن الفقر مشترك بين معنيين الأول: الافتقار إلى الله والاعتراف بالذلة والمسكنة له، والثاني: فقر الاضطرار وهو فقد المال المضطر إليه كجائع فقد الخبز فهذا هو الذي استعاذ منه والأول هو الذي سأله - انتهى. وسئل الشيخ زكريا عن معنى هذا الحديث فقال: معناه طلب التواضع والخضوع وأن لا يكون من الجبابرة المتكبرين والأغنياء المترفين - انتهى. ومنه أخذ السبكي قوله: المراد استكانة القلب لا المسكنة التي هي نوع من الفقر فإنه أغنى الناس بالله، وقال القتيبي: المسكنة حرف مأخوذ من السكون، يقال: تمسكن أي تخشع وتواضع. وقال الحافظ في التلخيص: إن الذي استعاذ منه وكرهه فقر القلب والذي اختاره وارتضاه طرح المال. وقال ابن عبد البر: الذي استعاذ منه هو الذي لا يدرك معه القوت والكفاف ولا يستقر معه في النفس غنى لأن الغنى عنده - صلى الله عليه وسلم - غنى النفس وقد قال تعالى:{وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى}(٩٣: ٨) ولم يكن غناه أكثر من ادخاره قوت سنة لنفسه وعياله وكان الغنى محله في قلبه ثقة بربه، وكان يستعيذ من فقر منس وغنى مطغ، وفيه دليل على أن للفقر والغنى طرفين مذمومين وبهذا تجتمع الأخبار في هذا المعنى - انتهى. (وأعوذ بك من أن أظلم) بالبناء للفاعل أي أحدًا من المسلمين والمعاهدين ويدخل فيه ظلم نفسه بمعصية الله، والظلم وضع الشيء في غير محله وموضعه أو التعدي في حق غيره (أو أظلم) بالبناء للمفعول، أي يظلمني ويتعدى على أحد وأو للتنويع وقيل بمعنى الواو (رواه أبو داود، والنسائي) في الاستعاذة وهو عند أبي داود، والبخاري في الأدب المفرد (ج٢: ص١٣١) من رواية سعيد بن يسار عن أبي هريرة، وأخرجه ابن ماجة من طريق جعفر بن عياض عن أبي هريرة وجعله حديثًا قوليًا بلفظ تعوذوا بالله من الفقر والقلة إلخ. وأخرجه أحمد (ج٢: ص٢٠٥) ، والنسائي، وابن حبان، والحاكم (ج١: ص٥٣١، ٥٤١) من كلا الوجهين وقد سكت عنه أبو داود ولم يعترضه المنذري وصححه الحاكم وأقره الذهبي.
٢٤٩٢- قوله (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق) بكسر الشين ككتاب التنازع والخلاف والخصومة أو التعادي لأن كلاً من المتعاديين يكون في شق، أي ناحية في غير شق صاحبه أو يريد مشقة الآخر أو لشق العصا بينهما، واستعاذ منه - صلى الله عليه وسلم - لأنه يؤدي إلى المهاجرة والمقاطعة. وقال القاري: أي من مخالفة الحق ومنه قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا