٢٥١٣- (٨) وعن أبي بكر قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر ثم بكى، فقال: سلوا الله العفو والعافية، فإن أحدًا لم يعط بعد اليقين خيرًا من العافية.
ــ
الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. كت عنه أبو داود، ونقل المنذري كلام الترمذي وأقره. وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
٢٥١٣- قوله:(ثم بكى) وفي رواية ابن حبان ((فخنقته العبرة ثلاث مرات)) قيل إنما بكى لأنه علم وقوع أمته في الفتن وغلبة الشهوة والحرص على جمع المال وتحصيل الجاه فأمرهم بطلب العفو والعافية ليعصمهم من الفتن (سلوا الله العفو) أي: عن الذنوب، قال في النهاية العفو معناه التجاوز عن الذنب، وترك العقاب عليه وأصله المحو والطمس (والعافية) زاد في رواية لأحمد، والحاكم، والبغوي:((واليقين في الأولى والآخرة)) قيل العافية هي السلامة في الدين من الفتنة وفي البدن من الأسقام والمحنة، قال في الصحاح: عافاه الله وأعفاه بمعنى واحد والاسم العافية وهي دفاع الله تعالى عن العبد، وتوضع موضع المصدر فيقال: عافاه عافية فقوله: دفاع الله عن العبد يفيد أن العافية تشمل جميع ما يدفعه الله عن العبد من البلايا كائنة ما كانت. وقال في النهاية: العافية أن تسلم من الأسقام والبلايا وهذا يفيد العموم كما أفاده كلام صاحب الصحاح، وقال في القاموس: والعافية دفاع الله عن العبد، عافاه الله من المكروه معافاة وعافية وهب له العافية من العلل كأعفاه - انتهى. وهكذا كلام سائر أئمة اللغة، وبهذا علم أن العافية هي دفاع الله عن العبد، وهذا الدفاع المضاف إلى الإسم الشريف يشمل كل نوع من أنواع البلايا والمحن فكل ما دفعه الله عن العبد منها فهو عافية، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فإن أحدًا لم يعط بعد اليقين) أي: الإيمان، وفي رواية لأحمد، وابن حبان ((بعد كلمة الإخلاص)) (خيرًا من العافية) قال الطيبي: وهي السلامة من الآفات فيندرج فيها العفو - انتهى. يعني ولعموم معنى العافية الشاملة للعفو اكتفى بذكرها عنه والتنصيص عليه سابقًا للإيماء إلى أنه أهم أنواعها قال الشوكاني: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسأل الإنسان ربه أن يرزقه العفو الذي هو العمدة في الفوز بدار المعاد وبأن يرزقه العافية التي هي العمدة في صلاح أمور الدنيا والسلامة من شرورها ومحنها فكان هذا الدعاء من الكلم الجوامع والفوائد النوافع فعلى العبد أن يكثر من الدعاء بالعافية وقد أغنى عن التطويل في ذكر فوائدها ومنافعها ما ذكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث فإنها إذا كانت بحيث أنه لم يعط أحد بعد اليقين خيرًا منها فقد فاقت كل الخصال وارتفعت درجتها كل خير وقد ورد في حديث العباس عند أحمد، والبخاري في الأدب المفرد، والترمذي، والطبراني ما يدل على أن العافية تشمل أمور الدنيا والآخرة وهو الظاهر من كلام أهل اللغة لأن قولهم دفاع الله عن العبد غير مقيد بدفاعه عنه لأمور الدنيا فقط بل يعم كل دفاع يتعلق بالدنيا والآخرة، قال: وفي أمره - صلى الله عليه وسلم - للعباس بالدعاء بالعافية بعد تكرير العباس سؤاله بأن يعلمه شيئًا يسأل الله به دليل جلي بأن الدعاء بالعافية لا يساويه شيء