الصلاة، والخطاب فيه وسيأتي الكلام فيه وفيه قصر السؤال الذي هو أصل الدعاء على الملك المتعال ولكنه توسل به عليه الصلاة والسلام، أي بدعائه كما قال عمر: كنا نتوسل إليك بنبيك عليه الصلاة والسلام، فلفظ التوسل والتوجه في الحديثين بمعنى واحد، ولذا قال في آخره ((اللهم فشفعه في)) إذ شفاعته لا تكون إلا بدعاء ربه وقطعًا، ولو كان المراد بذاته الشريفة لم يكن لذلك التعقيب معنى، إذ التوسل بقوله ((بنبيك)) كاف في إفادة هذا المعنى وأيضًا قول الأعمى للنبي - صلى الله عليه وسلم - ((أدع الله تعالى أن يعافيني)) وجوابه عليه الصلاة والسلام له ((إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك)) وقول الأعمى ((فادعه)) دليل واضح وبرهان راجح على أن التوسل كان بدعائه لا بنفس ذاته المطهرة عليه الصلاة والسلام، وقوله ((إني توجهت بك إلى ربي)) قال الطيبي: الباء في ((بك)) للاستعانة، أي استعنت بدعائك إلى ربي، وسيأتي مزيد توضيح ذلك إنشاء الله تعالى فانتظر (ليقضي) بالغيبة أي ربي، وقيل بالخطاب أي لتوقع القضاء (لي في حاجتي هذه) وجعلها مكانًا له على طريقة قوله {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}(- ٤٦: ١٥) قال الطيبي: إن قلت: ما معنى ((لي)) و ((في)) ؟ قلت: معنى ((لي)) كما في قوله تعالى {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي}(- ٢٠: ٢٥) أجمل أولاً ثم فصل ليكون أوقع في النفس، ومعنى ((في)) كما في قول الشاعر:
يجرح في عراقيبها نصلي
أي أوقع القضاء في حاجتي واجعلها مكانًا له، ونظيره قوله تعالى {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}(- ٤٦: ١٥) انتهى. قلت: ولفظ الترمذي ((إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي)) وهو بصيغة المجهول أي لتقضى لي حاجتي بشفاعتك يعنى ليقضيها ربي لي بشفاعتك (اللهم) التفات ثان (فشفعه) بتشديد الفاء، أي اقبل شفاعته (في) أي في حقي. قال المناوي: والعطف بالفاء على معطوف عليه مقدر، أي اجعله شفيعًا لي فشفعه فيكون قوله: اللهم معترضة، سأل الله أولاً بطريق الخطاب أن يأذن لنبيه أن يشفع له، ثم أقبل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ملتمسًا شفاعته له ثم كر مقبلاً على ربه طالباً منه أن يقبل شفاعته في حقه. والحديث قد استدل به على جواز التوسل والسؤال بذوات الأنبياء والصالحين والميتين لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر الضرير أن يقول في دعائه ((وأتوجه إليك بمحمد نبي الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي)) وإذا جاز السؤال به جاز السؤال بذاته وحقه وجاهه وحرمته وكرامته، وإذا جاز التوسل والسؤال بهذا كله من النبي - صلى الله عليه وسلم - جاز التوسل والسؤال بغيره من الأنبياء والصالحين، ولا فرق. واستدل به أيضًا على دعاء غير الله من الأموات والغائبين حيث أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر الضرير بعد الوضوء والصلاة أن يدعو ويقول في دعائه: يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى. ففي قوله ((يا محمد)) جواز دعوة الغائبين لأن الرسول أمره أن يدعو بهذا الدعاء وهو عنه غائب، وإذا جاز دعاء الغائبين جاز دعاء الميتين. قال الشيخ محمد عابد السندي في رسالته التي أفردها لمسألة التوسل: والحديث يدل على جواز التوسل والاستشفاع بذاته