المكرم في حياته، وأما بعد مماته فقد روى البيهقي والطبراني في الصغير (ص ١٠٣) عن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد? - صلى الله عليه وسلم - ?نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك ورُح إلى حتى أروح معك. فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: ما حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فأتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرًا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليَّ حتى كلمته فيَّ. فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فذكر الحديث. وزادا فيه هما وابن السني والحاكم ((فقال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل عليه الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط)) . قال الطبراني بعد ذكر طرقه التي روى بها: والحديث صحيح. وقال الشوكاني في ((تحفة الذاكرين)) (ص ١٣٨) : وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى وأنه المعطي المانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وقال فيه أيضًا (ص ٣٧) في شرح قول العدة ((ويتوسل إلى الله سبحانه بأنبيائه والصالحين)) ما نصه: من التوسل بالأنبياء ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث عثمان بن حنيف أن أعمى أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث. ثم قال: وأما التوسل بالصالحين فمنه ما ثبت في الصحيح أن الصحابة استسقوا بالعباس رضي الله عنه عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال عمر رضي الله عنه: اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبينا، ألخ - انتهى. وقال العز بن عبد السلام حينما سئل عن التوسل بالذوات الفاضلة ما لفظه: إن صح حديث الأعمى فهو مقصور على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكون من خصوصياته. وتعقبه المجوزون بقياس غيره عليه - صلى الله عليه وسلم -، ومن أدلتهم أنه قد أوجب الله تعالى تعظيم أمره وتوقيره والزم إكرامه وقد كانت الصحابة تتبرك بآثاره وشعره ولا شك أن حرمته - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته وتوقيره لازم كما كان حال حياته كذا في ((جلاء العينين)) (ص ٤٣٨) للسيد نعمان خير الدين الشهير بابن الآلوسي البغدادي وقال الشوكاني في رسالته ((الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد)) لا يخفاك أنه قد ثبت التوسل به - صلى الله عليه وسلم - في حياته، وثبت التوسل بغيره بعد موته بإجماع الصحابة إجماعًا سكوتيًا لعدم إنكار أحد منهم على عمر رضي الله عنه في توسله بالعباس رضي الله عنه، وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين: الأول ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي الله عنهم، والثاني أن التوسل إلى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة، إذا لا يكون الفاضل فاضًلا إلا بأعماله، فإذا قال القائل: اللهم إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني فهو