٢٥٢٠- (١٥) وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كان من دعاء داود يقول: اللهم إني أسالك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إليَّ من نفسي ومالي وأهلي، ومن الماء البارد قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر داود يحدث عنه يقول: كان أعبد البشر.
ــ
الخطاب وقد تقدم بسط ذلك في شرح حديث ابن مسعود (ج٢ ص ٤٧٢، ٤٧٣) فنذكر، وقد علم بما ذكرنا أن النداء المذكور ليس مما يدعيه ويفعله أهل البدع من دعاء الأنبياء وندائهم وخطابهم معتقدين حضورهم في الخارج للاستعانة والاستعانة بهم في تفريج الكرب وقضاء الحوائج، وهذا ظاهر جلي إلا لأهل الجدل والعناد.
٢٥٢٠- قوله (يقول) اسم كان بحذف أن، أي قوله ((اللهم إني أسالك حبك)) من إضافة المصدر إلى الفاعل أو المفعول، أي حبك إياي أو حبي إياك والأول أظهر إذ فيه تلميح إلى قوله تعالى:{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}(- ٥: ٥٤) قاله القاري: ((وحب من يحبك)) كما سبق، أما الإضافة إلى المفعول فهو ظاهر كمحبتك للعلماء والصلحاء، وأما الإضافة إلى الفاعل فهو مطلوب أيضًا كما ورد في الدعاء ((حببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا)) (والعمل) بالنصب عطف على المفعول الثاني ويحتمل الجر عطفًا على من يحبك، أي وحب العمل من إضافة المصدر إلى مفعوله فقط، ويؤيده حديث معاذ بن جبل عند الترمذي في تفسير ص بلفظ: وأسالك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب إلى حبك (الذي يبلغني) بتشديد اللام، أي يوصلني ويحصل لي (حبك) يحتمل لاحتمالين (اللهم اجعل حبك) أي حبي إياك (أحب إليَّ من نفسي ومالي) أي من حبهما حتى أوثره عليهما ((وأهلي)) كذا وقع في نسخ المشكاة الحاضرة عندنا ((من نفسي ومالي وأهلي)) وهكذا في جامع الأصول (ج٥ ص١١٠) وجمع الفوائد (ج٢ ص٦٥٨) ، وفي الترمذي ((من نفسي وأهلي)) ، أي بدون لفظة ((ومالي)) وهكذا عند الحاكم (ج٢ ص٤٣٣) ، وكذا ذكر ابن الجزري في الحصن. قال في اللمعات قوله ((من نفسي)) ، أي من حب نفسي، والمراد اجعل حب نفسك أحب إليَّ من نفسي لكنه لم يقل كذلك وإن جاز إطلاقه عليه مشاكلة لغاية التأدب - انتهى. قلت: وقع إطلاقه عليه في الحديث من غير مشاكلة أيضًا ((أنت كما أثنيت على نفسك)) (ومن الماء البارد) أعاد ((من)) ها هنا ليدل على استقلال الماء البارد في كونه محبوبًا وذلك في بعض الأحيان فإنه يعدل بالروح. قال في اللمعات: فيه مبالغة لأن حب الماء البارد طبيعي لا اختيار فيه، ففيه إشارة إلى سراية المحبة إلى الطبيعة أيضًا وذلك أكمل مراتب المحبة (قال) أي أبو الدرداء: (إذا ذكر) ، أي هو (داود يحدث عنه) أي يحكي (يقول) بدل من يحدث ذكره الطيبي. قال القاري: والأظهر أنه حال من الضمير في يحدث، وفي الترمذي ((قال)) مكان ((يقول)) وفي المستدرك ((وكان إذا ذكر داود وحدث عنه قال)) وهذا يدل على أن قوله ((يحدث)) في رواية الترمذي حال من الضمير في ((ذكر)) وقوله ((يقول)) أو ((قال)) جزاء للشرط، وعلى قول الطيبي والقاري يكون ((يحدث)) جزاء للشرط ولا يخفي ما فيه (كان) أي داود (أعبد البشر) أي أكثرهم عبادة في زمانه كذا قيد الطيبي. قال القاري: وعلى تقدير الإطلاق لا محذور فيه إذ لا يلزم من الأعبدية الأعلمية فضلاً عن الأفضلية.