للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

..............................................................................................

ــ

كلاهما متوسل به عندهم ويظنون أن كل من سأل الله بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد توسل به كما توسل به ذلك الأعمى، وأن ما أمر به الأعمى مشروع لهم وقول هؤلاء باطل شرعًا وقدرًا، فلا هم موافقون لشرع الله ولا ما يقولون مطابق لخلق الله. ومن الناس من يقولون هذه قضية عين يثبت الحكم في نظائرها التي تشبهها في مناط الحكم لا يثبت الحكم بها فيما هو مخالف لها لا مماثل لها. والفرق ثابت شرعًا وقدرًا بين من دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين من لم يدع له، ولا يجوز أن يجعل أحدهما كالآخر، وهذا الأعمى شفع له النبي - صلى الله عليه وسلم - فلهذا قال في دعائه: ((اللهم فشفعه في)) فعلم أنه شفيع فيه ولفظه ((إن شئت صبرت وإن شئت دعوت لك، فقال: ادع لي)) فهو طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو له فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي وأن يدعو هو أيضًا لنفسه ويقول في دعاته: ((اللهم فشفعه فيَّ)) فدل ذلك على أن معنى قوله ((أسالك وأتوجه إليك بنبيك محمد)) ، أي بدعائه وشفاعته كما قال عمر ((اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا)) فالحديثان معناهما واحد فهو - صلى الله عليه وسلم - علم رجلاً أن يتوسل به في حياته كما ذكر عمر أنهم كانوا يتوسلون به إذا أجدبوا، ثم إنهم بعد موته إنما كانوا يتوسلون بغيره بدلاً عنه، فلو كان التوسل به حيًا وميتًا سواء والمتوسل به الذي دعا له الرسول كمن لم يدع له الرسول لم يعدلوا عن التوسل به وهو أفضل الخلق وأكرمهم على ربه وأقربهم إليه وسيلة إلى أن يتوسلوا بغيره ممن ليس مثله، وكذلك لو كان أعمى توسل به ولم يدع له الرسول بمنزلة ذلك الأعمى كان عميان الصحابة أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى، فعدو لهم عن هذا إلى هذا مع إنهم السابقون المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان فإنهم أعلم منا بالله ورسوله وبحقوق الله ورسوله وما يشرع من الدعاء وينفع وما لم يشرع ولا ينفع وما يكون أنفع من غيره وهم في وقت ضرورة ومخمصة وجدب يطلبون تفريج الكربات وتيسير العسير وإنزال الغيث بكل طريق ممكن دليل على أن المشروع ما سألوه دون ما تركوه، وذلك أن التوسل به حيًا هو من جنس مسألته أن يدعو لهم وهذا مشروع، فما زال المسلمون يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته أن يدعو لهم، وأما بعد موته فلم يكن الصحابة يطلبون منه الدعاء لا عند قبره ولا عند غير قبره كما يفعله كثير من الناس عند قبور الصالحين، يسأل أحدهم حاجته أو يقسم على الله به، ونحو ذلك وإن كان روى في ذلك حكايات عن بعض المتأخرين - انتهى. وأما ما استدل بالحديث على جواز دعاء غير الله وندائه من الأموات والغائبين فيجاب عنه بعد افتراض كون الحديث حسنًا بما قال الطيبي من أن قوله ((إني توجهت بك إلى ربي)) بعد قوله ((أتوجه إليك بنبيك)) فيه معنى قوله تعالى {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ} (- ٢: ٢٥٥) فيكون خطابًا لحاضر معاين في قلبه مرتبط بما توجه به عند ربه من سؤال نبيه عليه الصلاة السلام الذي هو عين شفاعته ولذلك أتى بالصيغة الماضوية بعد الصيغة المضارعية المفيد كل ذلك أن هذا الداعي قد توسل بشفاعة نبيه عليه الصلاة والسلام فكأنه استحضر وقت ندائه ومثل ذلك كثير في المقامات الخطابية والقرائن الاعتبارية كما يقول المصلي في تشهده ((السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)) . ونقل السويدي عن اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية: أن الإنسان يفعل مثل هذا كثيرًا يخاطب من يتصوره في نفسه وإن لم يكن في الخارج من يسمع

<<  <  ج: ص:  >  >>