للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

..............................................................................................

ــ

بالاتفاق، وأما إذا لم يعرف هل وافقه غيره أو خالفه لم يجزم بأحدهما، ومتى كانت السنة تدل على خلافه كانت الحجة في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا فيما يخالفها بلا ريب عند أهل العلم، وإذا كان كذلك فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته من غير أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - داعيًا له ولا شافعًا فيه فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعًا بعد مماته كما كان يشرع في حياته بل كانوا في الاستسقاء في حياته يتوسلون به فلما مات لم يتوسلوا به بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهورة لما اشتدت بهم الجدب حتى حلف عمر لا يأكل سمنًا حتى يخصب الناس، ثم لما استسقي بالناس قال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. فيسقون، وهذا دعاء أقره عليه جمع الصحابة، لم ينكره أحد مع شهرته، وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية، ودعا بمثله معاوية بن أبي سفيان في خلافته لما استسقى بالناس فلو كان توسلهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا: كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما؟ ونعدل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أفضل الخلائق وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند الله، فلما لم يقل ذلك أحد منهم وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره وشفاعة غيره علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به لا بذاته، وحديث الأعمى حجة لعمر وعامة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فإنه إنما أمر الأعمى أن يتوسل إلى الله بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعاته لا بذاته، وقال له في الدعاء: قل ((اللهم فشفعه فيَّ)) . وإذا قدر أن بعض الصحابة أمر غيره أن يتوسل بذاته لا بشفاعته يأمر بالدعاء المشروع بل ببعضه وترك سائره المتضمن التوسل بشفاعته كان ما فعله عمر بن الخطاب هو الموافق لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان المخالف محجوجًا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان الحديث الذي رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة عليه لا له والله أعلم. وقال في (ص٧٤) : وليس مجرد كون الدعاء حصل به المقصود ما يدل على أنه سائغ في الشريعة فإن كثيرًا من الناس يدعون من دون الله من الكواكب والمخلوقين ويحصل ما يحصل من غرضهم، وبعض الناس يقصد الدعاء عند الأوثان والكنائس وغير ذلك، ويدعو التماثيل التي في الكنائس، ويحصل ما يحصل من غرضه، وبعض الناس يدعو بأدعية محرمة باتفاق المسلمين ويحصل ما يحصل من غرضه. وقال في (ص١٠٩) : حديث الأعمى فيه التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الله في الدعاء فمن الناس من يقول: هذا يقضي جواز التوسل به مطلقًا حيًا وميتًا وهذا يحتج به من يتوسل بذاته بعد موته وفي مغيبه ويظن هؤلاء أن توسل الأعمى والصحابة في حياته كان بمعنى الإقسام به على الله أو بمعنى أنهم سألوا الله بذاته أن يقضي حوائجهم ويظنون أن التوسل به لا يحتاج إلى أن يدعو هو لهم ولا إلى أن يطيعوه فسواء عند هؤلاء دعا الرسول لهم أو لم يدع، الجميع عندهم توسل به، وسواء أطاعوه أو لم يطيعوه، ويظنون أن الله تعالى يقضي حاجة هذا الذي توسل به بزعمهم ولم يدع له الرسول كما يقضي حاجة هذا الذي توسل بدعائه ودعا له الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ

<<  <  ج: ص:  >  >>