الملة ويعظموا شعائرها، والحج عرضة المسلمين وظهور شوكتهم واجتماع جنودهم وتنويه ملتهم وهو قوله تعالى:{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً}(٢: ١٢٥) ومنها موافقة ما توارث الناس عن سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فإنهما إمامًا الملة الحنيفية ومشرعاها للعرب والنبي - صلى الله عليه وسلم - بعث لتظهر به الملة الحنيفية وتعلو به كلمتها وهو قوله تعالى:{مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}(٢٢: ٧٨) فمن الواجب المحافظة على ما استفاض عن إماميها كخصال الفطرة ومناسك الحج وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: قفوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم ومنها الاصطلاح على حال يتحقق بها الرفق لعامتهم وخاصتهم كنزول منى والمبيت بمزدلفة فإنه لو لم يصطلح على مثل هذا لشق عليهم ولو لم يسجل عليه لم تجتمع كلمتهم عليه مع كثرتهم وانتشارهم. ومنها الأعمال التي تعلن بأن صاحبها موحد تابع للحق متدين بالملة الحنيفية شاكر لله على ما أنعم على أوائل هذه الملة كالسعي بين الصفا والمروة، ومنها أن أهل الجاهلية كانوا يحجون وكان الحج أصل دينهم ولكنهم خلطوا أعمالاً ما هي مأثورة عن إبراهيم عليه السلام وإنما هي اختلاق منهم وفيها إشراك لغير الله كتعظيم أساف ونائله وكالإهلال لمناة الطاغية وكقولهم في التلبية: لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، ومن حق هذه الأعمال أن ينهي عنها ويؤكد في ذلك، وأعمالاً انتحلوها فخرًا وعجبًا كقول حمس: نحن قطان الله فلا نخرج من حرم الله فنزل: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} ومنها أنهم ابتدعوا قياسات فاسدة هي من باب التعمق في الدين، وفيها حرج للناس ومن حقها أن تنسخ وتهجر كقولهم: يجتنب المحرم دخول البيوت من أبوابها وكانوا يستورون من ظهورها ظنًا منهم أن الدخول من الباب ارتفاق ينافي هيئة الإحرام فنزل: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا}(٢: ١٨٩) وككراهيتهم في التجارة موسم الحج ظنًا منهم أنها تخل بإخلاص العمل لله فنزل: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ}(٢: ١٩٨) وكاستحبابهم أن يحجوا بلا زاد ويقولون: نحن المتوكلون وكانوا يضيقون على الناس ويعتدون فنزل: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}(٢: ١٩٧) انتهى باختصار يسير. قلت: شرع الحج لجميع هذه الفوائد والمصالح المذكورة وغيرها مما نعلم منها الكثير ونجهل منها الكثير، وربما كان ما نجهله ونتمتع به أكثر مما نعرفه فقد قال الله تعالى:{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}(٢٢: ٢٨) فأطلق المنافع ونكرها وأبهمها ودل هذا التعبير البليغ على كثرتها وتنوعها وتجددها في كل زمان وأنها أكثر من أن يأتي عليها الإحصاء والاستقصاء ويحيطها المحيطون ولكن من أوضح ملامح الحج والروح المسيطرة على جميع أعماله ومناسكه هو الحب والهيام والوله والتفاني وإعطاء زمام الجسم والفكر للقلب والعاطفة وتقليد العشاق والمحبين إمامهم وزعيمهم إبراهيم الخليل فحينًا طواف الحب والهيام حول البيت الحرام وحينًا تقبيل الحجر الأسود والاستلام وحينًا سعى بين غايتين وتقليد ومحاكاة للأم الحنون حتى في تؤدتها ووقارها وفي جريها وهرولتها. ثم قصد لمنى في يوم معين هو يوم التروية، ثم قصد