للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم. ثم قال: ذروني ما تركتم

ــ

إنما احتمل التكرار عنده من وجه آخر، لأن الحج في اللغة قصد فيه تكرار فاحتمل عنده التكرار من جهة الاشتقاق لا من مطلق الأمر - انتهى. قال القاري بعد ذكر هذا الاحتمال بلفظة قيل: والأظهر أن مبني السؤال قياسه على سائر الأعمال من الصلاة والصوم وزكاة الأموال ولم يدر أن تكراره كل عام بالنسبة إلى جميع المكلفين من جملة المحال كما لا يخفى (فسكت) ، أي عن جوابه (حتى قالها) ، أي قال الرجل السائل الكلمة التي تكلمها (ثلاثًا) قال التوربشتي: إنما سكت زجرًا له عن السؤال الذي كان السكوت عنه أولى لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما بعث لبيان الشريعة فلم يكن ليسكت عن بيان أمر علم أن بالأمة حاجة إلى الكشف عنه، فالسؤال عن مثله تقدم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد نهوا عنه، والإقدام عليه ضرب من الجهل وشر فيه احتمال أن يعاقبوا بزيادة التكليف، وإليه أشار - صلى الله عليه وسلم - بقوله ((لو قلت نعم لوجبت)) قال القاري: ثم لما رآه - صلى الله عليه وسلم - لا ينزجر ولا يقنع إلا بالجواب الصريح صرح به (فقال لو قلت نعم) ، أي فرضًا وتقديرًا، ولا يبعد أن يكون سكوته عليه الصلاة والسلام انتظار للوحي أو الإلهام. وقال السندي: وهذا بظاهره يقتضي أن أمر افتراض الحج كل عام كان مفوضًا إليه حتى لو قال نعم لحصل وليس بمستبعد إذ يجوز أن يأمر الله تعالى بالإطلاق ويفوض أمر التقييد إلى الذي فوض إليه البيان فهو إن أراد أن يبقيه على الإطلاق يبقيه عليه وإن أراد أن يقيده بكل عام يقيده به، ثم فيه إشارة إلى كراهة السؤال في النصوص المطلقة والتفتيش عن قيودها بل ينبغي العمل على إطلاقها حتى يظهر فيها قيد، وقد جاء القرآن موافقًا لهذه الكراهة - انتهى. وقال الحافظ: استدل به على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له أن يجتهد في الأحكام لقوله: ((لو قلت: نعم لوجبت)) ولا يشترط في حكمه أن يكون بوحي، وأجاب من منع باحتمال أن يكون أوحي إليه ذلك في الحال (لوجبت) ، أي هذه العبادة أو فريضة الحج المدلول عليها بقوله فرض، أو الحجة كل عام أو حجج كثيرة على كل أحد (ولما استطعتم) ، أي وما قدرتم كلكم إتيان الحج في كل عام، {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا} (ذروني) ، وفي رواية البخاري ((دعوني)) ، قال السندي: أي اتركوني من السؤال عن القيود في المطلقات. قال في القاموس: ذره، أي دعه، يذره تركًا ولا تقل وذرًا وأصله وذره يذره كوسعه يسعه لكن ما نطقوا بماضيه ولا بمصدره ولا باسم الفاعل، أو قيل وذرته شاذًا (ما تركتكم) ، أي لأني مبعوث لبيان الشرائع وتبليغ الأحكام، فما كان مشروعًا أبينه لكم لا محالة ولا حاجة إلى السؤال. قال السندي: ما مصدرية ظرفية، أي مدة تركي إياكم عن التكليف بالقيود فيها، وليس المراد لا تطلبوا مني العلم ما دام لا أبين لكم بنفسي - انتهى. وقال الحافظ: قوله ((ما تركتكم)) ، أي مدة تركي إياكم بغير أمر بشيء ولا نهي عن شيء وإنما غاير بين اللفظين لأنهم أماتوا الماضي واسم الفاعل منهما واسم مفعولهما وأثبتوا الفعل المضارع وهو يذر، وفعل الأمر وهو ذر ومثله دع ويدع ولكن سمع ودع كما قرئ به في الشاذ في قوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} (٩٣: ٣) وقال الشاعر:

<<  <  ج: ص:  >  >>