ونحن ودعنا آل عمرو بن عامر ... فرائس أطراف المثقفة السمر
ويحتمل أن يكون ذكر ذلك على سبيل التفنن في العبارة وإلا لقال: اتركوني. قال: والمراد بهذا الأمر ترك السؤال عن شيء لم يقع خشية أن ينزل به وجوبه أو تحريمه وعن كثرة السؤال لما فيه غالبًا من التعنت وخشية أن تقع الإجابة بأمر يستثقل فقد يؤدي لترك الامتثال فتقع المخالفة. قال ابن فرج: معنى قوله ((ذروني ما تركتكم)) لا تكثروا من الاستفسار عن المواضع التي تكون مفيدة لوجه ما ظهر ولو كانت صالحة لغيره، كما أن قوله ((حجوا)) وإن كان صالحًا للتكرار فينبغي أن يكتفي بما يصدق عليه اللفظ وهو المرة فإن الأصل عدم الزيادة ولا تكثروا التنقيب عن ذلك لأنه قد يفضي إلى مثل ما وقع لبني إسرائيل إذ أمروا أن يذبحوا البقرة فلو ذبحوا، أي بقرة كانت لامتثلوا ولكنهم شددوا فشدد عليهم وبهذا تظهر مناسبة قوله:((فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم)) بقوله: ((ذروني ما تركتكم)) قال النووي: وهو دليل على أن لا حكم قبل ورود الشرع، وأن الأصل في الأشياء عدم الوجوب وهذا هو الصحيح عند محققي الأصوليين. (فإنما هلك من كان قبلكم) ، أي من اليهود والنصارى، (بكثرة سؤالهم) كسؤال الرؤية والكلام وقضية البقرة. قال الأبي: وفيه مرجوحية كثرة السؤال، ومنه ما اتفق لأسد بن الفرات مع مالك حين أكثر السؤال بقوله: فإن كان كذا، فإن كان كذا؟ فقال له مالك: هذه سلسلة بنت أخرى، إن أردت هذا فعليك بأهل العراق، إلا أن يقال لا يلزم من المنع هنا المنع في غيره لما أشار إليه - صلى الله عليه وسلم - من أنه في مقام التشريع فخاف الافتراض فيما يشق ولا يقدر عليه - انتهى. وقال الحافظ: استدل به على النهى عن كثرة المسائل والتعمق في ذلك. قال البغوي: في شرح السنة: المسائل على وجهين: أحدهما: ما كان على وجه التعليم لما يحتاج إليه من أمر الدين فهو جائز بل مأمور به لقوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ}(١٦: ٤٥. و ٢١، ٦) الآية، وعلى ذلك تنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال والكلالة وغيرهما، ثانيهما: ما كان على وجه التعنت والتكلف، وهو المراد في هذا الحديث والله أعلم. ويؤيده ورود الزجر في الحديث عن ذلك وذم السلف، فعند أحمد من حديث معاوية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الأغلوطات. قال الأوزاعي: هي شداد المسائل، وقال الأوزاعي أيضًا: إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط فلقد رأيتهم أقل الناس علمًا. وقال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: المراء في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل. وقال ابن العربي: كان النهي عن السؤال في العهد النبوي خشية أن ينزل ما يشق عليهم فأما بعد فقد أمن ذلك لكن أكثر النقل عن السلف بكراهة الكلام في المسائل التي لم تقع. قال: وإنه لمكروه إن لم يكن حرامًا إلا للعلماء فإنهم فرعوا ومهدوا فنفع الله من بعدهم بذلك ولا سيما مع ذهاب العلماء ودروس العلم - انتهى ملخصًا. وينبغي أن يكون محل الكراهة للعالم إذا شغله ذلك عما هو أهم منه وكان ينبغي تلخيص ما يكثر وقوعه مجردًا عما يندر ولا سيما في المختصرات ليسهل تناوله والله المستعان – انتهى كلام الحافظ.