للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم،

ــ

(واختلافهم) عطف على كثرة السؤال لا السؤال، إذ الاختلاف وإن قل يؤدي إلى الهلاك، ويحتمل أنه عطف على سؤالهم هو إخبار عمن تقدم بأنه كثر اختلافهم في الواقع فأداهم إلى الهلاك وهو لا ينافي أن القليل من الاختلاف مؤد إلى الفساد، قاله السندي (على أنبيائهم) ، يعني إذا أمرهم الأنبياء بعد السؤال أو قبله اختلفوا عليهم فهلكوا واستحقوا الإهلاك. قال الأبي: قوله ((واختلافهم على أنبيائهم)) هو زيادة على ما وقع فإن الذي وقع إنما هو إلحاح في السؤال لا الاختلاف (فإذا أمرتكم بشيء) ، أي من الفرائض وفي رواية بأمر: (فأتوا منه ما استطعتم) ، أي افعلوا قدر استطاعتكم. قال السندي: يريد أن الأمر المطلق لا يقتضي دوام الفعل وإنما يقتضي جنس المأمور به وأنه طاعة مطلوبة ينبغي أن يأتي كل إنسان منه على قدر طاقته، وأما النهي فيقتضي دوام الترك - انتهى. وقال: في اللمعات قوله: ((فأتوا منه ما استطعتم)) يجوز أن يكون تأكيدًا ومبالغة في إتيان ما أمر به وبذل الطاقة فيه، وأن يكون إشارة إلى التيسير ورفع الحرج كما في الصلاة وأركانها وشرائطها إذا عجز عن بعضها أتى بما استطاع، وهذا الأمر وأما في النهي فينبغي أن يحتاط في تركه ويبذل المجهود بالغًا ما بلغ. وقال النووي: هذا من قواعد الإسلام المهمة ومن جوامع الكلم التي أعطيها - صلى الله عليه وسلم - ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام كالصلاة بأنواعها، فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن، وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته أو لغسل النجاسة فعل الممكن، وأشباه هذا غير منحصرة، وأما قوله: ((وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)) فهو على إطلاقه، فإن وجد عذر يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة أو شرب الخمر عند الإكراه أو التلفظ بكلمة الكفر إذا أكره ونحو ذلك، فهذا ليس منهيًا عنه في هذا الحال. قال وهذا الحديث موافق لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (٦٤: ١٦) وأما قوله تعالى: {حَقَّ تُقَاتِهِ} ففيها مذهبان: أحدهما: أنها منسوخة بقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} والثاني وهو الصحيح أو الصواب وبه جزم المحققون: أنها ليست منسوخة بل قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} مفسرة لها ومبينة للمراد بها. قالوا: و {حَقَّ تُقَاتِهِ} هو امتثال أمره واجتناب نهيه، أي مع القدرة لا مع العجز ولم يأمر الله تعالى إلا بالمستطاع. قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا} (٢: ٢٨٦) انتهى. قال الحافظ: في الحديث إشارة إلى الاشتغال بالأهم المحتاج إليه عاجلاً عما لا يحتاج إليه في الحال فكأنه قال: عليكم بفعل الأوامر واجتناب النواهي فاجعلوا اشتغالكم بها عوضًا عن الاشتغال بالسؤال عما لم يقع فينبغي للمسلم أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله ثم يجتهد في تفهم ذلك والوقوف على المراد به ثم يتشاغل بالعمل به، فإن كان من العمليات يتشاغل بتصديقه واعتقاد حقيته، وإن كان من العمليات بذل وسعه في القيام به فعلاً وتركًا فإن وجد وقتًا زائدًا على ذلك فلا بأس أن يصرفه في الاشتغال بتعرف حكم ما سيقع على قصد العمل به إن لو وقع، فأما إن كانت

<<  <  ج: ص:  >  >>