للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

..............................................................................................

ــ

على الجميع. وإذا كان هكذا فالجهاد أولى بالتحريض والتقديم من الحج لأنه يكون حينئذٍ فرض عين ووقوعه فرض عين إذ ذاك متكرر فكان أهم منه. وقيل: قدم لأن نفع الجهاد متعد لما فيه من المصلحة العامة للمسلمين مع بذل النفس فيه بخلاف الحج فيهما، لأن نفعه قاصر ولا يكون فيه بذل النفس. وقيل ((ثم)) ها هنا للترتيب في الذكر كقوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} (٩٠: ١٧) فإنه من المعلوم أنه ليس المراد ها هنا الترتيب في الفعل وفي الحديث دليل على أن الإيمان بالله ورسوله أفضل من الجهاد والجهاد أفضل من الحج، وقد اختلفت الأحاديث المشتملة على بيان فاضل الأعمال من مفضولها فتارة تجعل الأفضل الإيمان كما في الحديث الذي نحن في شرحه، وتارة الصلاة لوقتها كما في حديث ابن مسعود، وتارة إطعام الطعام وقراءة السلام كما في حديث ابن عمرو، وتارة السلامة من اليد واللسان كما في حديث أبي موسى، وتارة الجهاد كما في حديث أبي سعيد، وتارة ذكر الله كما في حديث أبي الرداء، وتارة غير ذلك، واستشكلت للمعارضة الظاهرة، أي تباين الأجوبة واختلافها مع اتحاد السؤال. وأجيب بأنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن المفاضلة في الأعمال عدة مرات وكان يجيب على ذلك بما يناسب المقام والوقت ويصلح لحال السائل والمخاطب، فإن لكل إنسان عملاً يصلح له ولا ينجح إلا به فينبغي توقيفه على ما خفى عليه وتوجيهه إليه، وكذلك الوقت يختلف، فوقت تكون الصدقة أفضل من غيرها كوقت المجاعات والحاجة، وتارة يكون الجهاد أفضل من غيره كوقت الزحف الملجئ والنفير العام، وتارة يكون طلب العلم الشرعي أنفع للحاجة إليه والانصراف عنه، وكذلك وظائف اليوم والليلة، فساعة يكون الاستغفار والتوبة والدعاء أولى من القراءة، وساعة أخرى تكون الصلاة وهكذا. وقال الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله (ج٢: ص٤٣) : الفضل يختلف باختلاف الاعتبار والمقصود هنا، أي في حديث أبي هريرة الذي نحن في شرحه بيان الفضل باعتبار تنويه دين الله وظهور شعار الله، وليس بهذا الاعتبار بعد الإيمان كالجهاد والحج - انتهى. وقال القفال الشافعي الكبير: إن ذلك اختلاف جواب جرى على حسب اختلاف الأحوال والأشخاص فإنه قد يقال ((خير الأشياء كذا)) ولا يراد به خير جميع الأشياء من جميع الوجوه والحيثيات والاعتبارات وفي جميع الأحوال والأوقات ولجميع الأشخاص والأفراد بل في حال دون حال ولواحد دون واحد ومن وجه دون وجه وفي وقت دون وقت، قال: ويجوز أن يكون المراد من أفضل الأعمال كذا أو من خيرها أو من خيركم من فعل كذا فحذفت من وهي مرادة كما يقال فلان أعقل الناس وأفضلهم ويراد أنه من أعقلهم وأفضلهم. ومن ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خيركم خيركم لأهله، ومعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس مطلقًا. قال النووي: وعلى هذا الجواب يكون الإيمان أفضلها مطلقًا، والباقيات متساويات في كونها من أفضل الأعمال والأحوال، ويعرف فضل بعضها على بعض بدلائل تدل عليها وتختلف باختلاف الأحوال والأشخاص انتهى. وقد تقدم شيء من الكلام في هذا في الفصل الثاني من باب الذكر، وإن شئت

<<  <  ج: ص:  >  >>