قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور.
ــ
ورسوله. ولا يقال هذا في الأعمال ولا يمنع من تسمية الأعمال المذكورة إيمانًا فقد قدمنا دلائله - انتهى (قيل) القائل هو السائل في الأول (ثم ماذا؟) كلمة ثم للعطف مع الترتيب الذكرى، وما مبتدأ وذا خبره والمعنى ثم، أي شيء أفضل بعد الإيمان بالله ورسوله؟ (قال الجهاد في سبيل الله) ، أي قتال الكفار لإعلاء كلمة الله، (قيل ثم ماذا؟) أفضل (قال: حج مبرور) ، أي مقبول من البر وهو القبول ومن علامات القبول أن يزداد بعده خيرًا، أي يكون حاله بعد الرجوع خيرًا مما قبله ولا يعاود المعاصي، وهو مفعول من بر المتعدي يقال: بر الله حجه، أي قبله ويبني للمفعول. فيقال بر حجه فهو مبرور ويستعمل لازمًا. فيقال بر حجه، ويقال أيضًا أبر الله حجه إبراًر، قال الجزري: يقال بر حجه وبر حجه وبر الله حجه، وأبره برًا بالكسر في الجميع وإبرارًا، وقيل: المبرور المقابل بالبر وهو الثواب، وقيل: هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة، وقيل: الذي لا يعقبه معصية، وقيل: هو الذي لا يخالطه شيء من المأثم مأخوذ من البر وهو الطاعة، ومنه برت يمينه إذا سلم من الحنث وبر بيعه إذا سلم من الخداع ورجح هذا المعنى النووي. وقال القرطبي: الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى، وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه فوقع موقعًا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل، ولأحمد والحاكم من حديث جابر قالوا: يا رسول الله ما بر الحج؟ قال: إطعام الطعام وإفشاء السلام. قال في الفتح: وفي إسناده ضعف، ولو ثبت كان هو المتعين دون غيره - انتهى. قلت حديث جابر هذا قال الحاكم: إنه صحيح الإسناد ولم يخرجاه لأنه لم يحتجا بأيوب بن سويد لكنه حديث له شواهد كثيرة. وقال الذهبي في تلخيصه: صحيح. وحسن سنده المنذري في الترغيب، والهيثمي في مجمع الزوائد، ولفظ الطبراني ((إطعام الطعام وطيب الكلام)) . قيل المراد أن هذه الخصال من علامات الحج المبرور وليست علاماته قاصرة على هذه، والظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - أجاب السائل بذلك لكونه رأى منه التقصير في هذه الخصال لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجيب كل إنسان على حسب حاله ثم إنه عرف الجهاد باللام دون الإيمان والحج لأن المعرف بلام الجنس كالنكرة في المعنى فيوافق تنكير قسيميه. وقيل لأن الإيمان والحج لا يتكرر وجوبهما فناسبهما التنكير ليدل على الإفراد الشخصي بخلاف الجهاد فإنه قد يتكرر فعرف والتعريف للكمال إذ الجهاد لو أتى به مرة مع الاحتياج إلى التكرار لما كان أفضل كذا قيل. وقد تعقبه الحافظ في الفتح واعترضه العيني حسب عادته بما لا طائل تحته. قال الحافظ: وقع في مسند الحارث بن أبي أسامة ((ثم جهاد)) ، أي بالتنكير فقد ظهر من هذه الرواية أن التنكير والتعريف فيه من تصرف الرواة لأن مخرجه واحد فالإطالة في طلب الفرق في مثل هذا غير طائلة ثم أنه قدم الجهاد على الحج مع أنه فرض كفاية، والحج فرض عين وذلك لأنه كان أول الإسلام ومحاربة أعداءه والجد في إظهاره، وقيل: هو محمول على الجهاد في وقت الزحف الملجئ والنفير العام فإنه حينئذ يجب الجهاد