إذ لا مانع من أن تكون حجت مع أبي بكر رضي الله عنه في السنة التاسعة فسقط عنها الفرض ثم أرادت أن تحج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوادع في السنة العاشرة فمنعها عدم تيسر الراحلة، وقال بعضهم: إن الحجة التي فاتت هذه المرأة هي حجة الوداع وكانت أول حجة أقيمت في الإسلام فرضًا لأن حج أبي بكر كان إنذارًا فعلى هذا يستحيل أن تكون تلك المرأة كانت قامت بوظيفة الحج بعد، لأن أول حج لم تحضره هي، ولم يأت زمان حج ثان عند قوله عليه الصلاة والسلام لها ذلك، وما جاء الحج الثاني إلا والرسول عليه الصلاة والسلام قد توفي فإنما أراد عليه الصلاة والسلام أن يستحثها على استدراك ما فاتها من البدار ولا سيما الحج معه عليه الصلاة والسلام لأن فيه مزية على غيره قلت: وهذا مبني على أن الحج إنما فرض في السنة العاشرة ولكنه غير متفق عليه وقد تقدم ذكر الخلاف فيه، وعلى كل حال فإن كان ما فاتها حجة الفرض فيكون المراد من الحديث بيان فضل العمرة في رمضان وإعلامها أن ثوابها كثواب حجة لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن فرض الحج، فالعمرة في رمضان لا تسقط الحجة المفروضة بل من الإتيان بها من قابل، وإن كان ما فاتها تطوعًا فالعمرة في رمضان تقوم مقام الحجة في التطوع ونقل الترمذي عن إسحاق ابن راهويه أن معنى الحديث نظير ما جاء أن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن وقال ابن العربي: حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من الله ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها، وهكذا قال أبو بكر المعافري، كما في ((القرى)) وقد تقدم ما قال الطيبي وابن خزيمة في معنى الحديث وتوجيهه، وقال ابن الجوزي: فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القلب، وقال غيره يحتمل أن يكون المراد عمرة فريضة في رمضان كحجة فريضة، وعمرة نافلة في رمضان كحجة نافلة وقال ابن التين: قوله كحجة يحتمل أن يكون على بابه ويحتمل أن يكون لبركة رمضان، ويحتمل أن يكون مخصوصًا بهذه المرأة. قال الحافظ: الثالث قال به بعض المتقدمين ففي رواية أحمد بن منيع قال سعيد بن جبير: ولا نعلم هذا إلا لهذه المرأة وحدها، ووقع عند أبي داود من حديث أم معقل فكانت تقول الحج حجة، والعمرة عمرة، وقد قال هذا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أدري ألي خاصة تعني أو للناس عامة، قال الحافظ: والظاهر حمله على العموم كما تقدم، والسبب في التوقف استشكال ظاهره وقد صح جوابه. تنبيه لما ثبت أن عمره - صلى الله عليه وسلم - كانت كلها في ذي القعدة وقع تردد لبعض أهل العلم في أن أفضل أوقات العمرة أشهر الحج أو رمضان فحديث الباب يدل على الثاني، أي كون رمضان أفضل أوقات العمرة لكن فعله عليه الصلاة والسلام لما لم يقع إلا في أشهر الحج كان ظاهرًا أنه أفضل إذ لم يكن الله سبحانه وتعالى يختار لنبيه إلا ما هو الأفضل أو أن رمضان أفضل لتنصيصه عليه الصلاة والسلام على ذلك فتركه لاقترانه بأمر يخصه كاشتغاله بعبادات أخرى في رمضان تبتلاً، وأن لا يشق على أمته فإنه لو اعتمر في رمضان لبادروا إلى ذلك وخرجوا مع ما هم عليه من المشقة في