٢٥٣٤- (٦) وعنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء،
ــ
الجمع بين العمرة والصوم، ولقد كان بهم رؤوفًا رحيمًا، وقد كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته وخوفًا من المشقة عليهم كالقيام في رمضان بهم، ومحبته لأن يستقي بنفسه مع سقاة زمزم كيلا يغلبهم الناس على سقايتهم. وقال الحافظ: والذي يظهر أن العمرة في رمضان لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل، وأما في حقه فما صنعه هو أفضل لأن فعله لبيان جواز ما كان أهل الجاهلية يمنعونه، فأراد الرد عليهم بالقول والفعل وهو لو كان مكروهًا لغيره لكان في حقه أفضل - انتهى. تنبيه آخر قد استدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - ((عمرة في رمضان تعدل حجة)) على استحباب تكرار العمرة والإكثار منها. قال المحب الطبري في القرى (ص٥٦٦) : فيه دليل على استحباب تكرار العمرة من وجهين الأول: أن النكرة في سياق التفضيل، الظاهر منها إرادة العموم، فإنك إذا قلت: رجل من بني تيم يعدل قبيلة من غيرها، لم يتبادر إلى الفهم إلا أن كل واحد منها كذلك، فكذلك، كل عمرة في رمضان، والثاني: المراد بعمرة في رمضان إما أن يقال: كل عمرة لكل أحد أو عمرة لكل أحد أو عمرة لواحد لا بعينه، والأول هو المطلوب، والثالث غير مراد بالاتفاق، والثاني لازم للأول فيتعدى الحكم، بيان الملازمة أن اتصاف الفعل بالفضل إنما نشأ من جهة الزمان لا محالة، فإذا ثبت لفعل لزم ثبوته لمثله، وإن تكرر لقيام موجب الصفة ولعدم جواز تخلف الحكم عن مقتضيه، ومن ادعى تخصصها بعدم التكرار أو تخصيصها بالمخاطبة أو بميقات دون غيره أو معارضًا فعليه البيان - انتهى. قلت: قد ذهب إلى جواز تكرار العمرة واستحباب الإكثار منها الشافعي، وأبو حنيفة. وكرهه مالك إلا مرة في سنة، وأحمد في دون عشرة أيام كما تقدم في كلام ابن قدامة، ويؤيده ما أخرجه الشافعي عن أنس رضي الله عنه أنه كان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر، وقوله:((حمم)) بالحاء المهملة، أي اسود بعد الحلق في الحج بنبات الشعر، والمعنى أنه كان لا يؤخر العمرة إلى المحرم، بل كان يخرج إلى الميقات، ويعتمر في ذي الحجة، وهكذا ذكره الجوهري، وابن الأثير وقيد بالمهملة (متفق عليه) واللفظ لمسلم. وأخرجه أيضًا أحمد (ج١: ص٢٢٩، ٣٠٨) ، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والدارمي، وابن الجارود (ص١٧٩) ، والبيهقي وفي الباب عن جماعة من الصحابة ذكر أحاديثهم العيني (ج١٠: ص١١٧) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (ج٣: ص٢٨٠) .
٢٥٣٤- قوله (إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي ركبًا) بفتح الراء وسكون الكاف جمع راكب أو اسم جمع كصاحب وصحب وهم العشرة فما فوقها من أصحاب الإبل في السفر دون بقية الدواب، ثم اتسع فيه فأطلق على كل جماعة (بالروحاء) بفتح الراء وسكون الواو بعدها حاء مهملة ثم ألف ممدودة. قال عياض: في المشارق هي من أعمال الفرع بينها وبين المدنية