للصبي حجًا وهذا مما قد أجمع الناس جميعًا عليه ولم يختلفوا أن للصبي حجًا كما أن له صلاة - انتهى. وقد تبين مما ذكرنا أن حج الصبي يصح وينعقد نفلاً عند الحنفية أيضًا وأن خلافهم إنما هو في وجوب القضاء والكفارات، الثالث: هل يجب عليه الجزاء والفدية والكفارة والقضاء أم لا؟ وقد تقدم في كلام النووي من مذهب الجمهور وجوب ذلك خلافًا لأبي حنيفة. وقال الزرقاني: في حديث انعقاد حج الصبي وصحة وقوعه نفلاً وأنه مثاب عليه فيجتنب ما يجتنبه الكبير مما يمنعه الإحرام ويلزمه من الفدية والهدي ما يلزمه، وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور خلافًا لأبي حنيفة. وقال ابن عبد البر: قال مالك: ما أصاب الصبي من صيد أو لباس أو طيب فدى عنه، وبذلك قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا جزاء عليه ولا فدية - انتهى. وقال الخطابي في المعالم (ج٢: ص٢٨١) : وفي ذلك دليل على أن حجه إذا فسد أو دخله نقص فإن جبرانه واجب عليه كالكبير، وإن اصطاد صيدًا لزمه الفداء كما يلزم الكبير. وفي وجوب هذه الغرامات عليه في ماله كما يلزمه لو أتلف مالاً لإنسان فيكون غرمه في ماله أو وجوبها على وليه إذ كان هو الحامل له على الحج والنائب عنه وفي ذلك نظر وفيه اختلاف بين الفقهاء - انتهى. قلت: في وجوب الكفارة والجزاء والقضاء عند أتباع الأئمة الثلاثة تفاصيل، اختلفوا فيها وأسقط بعهم في بعض الصور الكفارة والقضاء، وهي مبسوطة في كتب فروعهم، من شاء الوقوف عليها رجع إلى المغني لابن قدامة (ج٢: ص٢٥٥) ، ومناسك الحج والمجموع للنووي، والدسوقي على الشرح الكبير للدردير المالكي. وقال في شرح اللباب من فروع الحنفية: ولو أفسد أي الصبي نسكه أو ترك شيئًا من أركانه وواجباته لا جزاء عليه ولا قضاء حيث شروعه ليس بملزم له لأنه غيره مكلف في فعله - انتهى. وقد وافق ابن حزم الحنفية في ذلك حيث قال في المحلى (ج٧: ص٢٧٦، ٢٧٧) : وإذا الصبي قد رفع عنه القلم فلا جزاء عليه في صيد إن قتله في الحرم أو في إحرامه ولا في حلق رأسه لأذى به عن تمتعه ولا لإحصاره لأنه غير مخاطب بشيء من ذلك ولو لزمه هدى للزمه أن يعوض منه الصيام وهو في المتعة وحلق الرأس وجزاء الصيد وهم لا يقولون بذلك. هذا ولا يفسد حجه بشيء مما ذكرنا إنما هو ما عمل، أو عمل به أجر وما لم يعمل فلا إثم عليه - انتهى. قلت: واستدل الحنفية بالحديث المشهور بين الفقهاء وأئمة الحديث ((رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يبلغ)) الحديث أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والحاكم، وابن حبان من حديث عائشة. وأحمد وأبو داود، والنسائي، والدارقطني، والحاكم، وابن خزيمة، وابن حبان من حديث علي. والطبراني بسنده عن غير واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثوبان، ومالك بن شداد وغيرهما. قال الحافظ: الرفع مجاز عن عدم التكليف لأنه يكتب لهم فعل الخير قاله ابن حبان: قلت: والراجح عندنا هو ما ذهب إليه الحنفية وابن حزم، لأنه لا نص لمن ذهب إلى خلاف ذلك ولا حجة لهم فيما قالوه، هذا ما عندي والعلم عند الله تعالى. والرابع: هل يثاب الصبي على حسناته من الصلاة والصوم