للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

..............................................................................................

ــ

جهاتها الأربع قد جعلت حرمًا وحدث لذلك حدود عينها إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأمر الله تعالى، ثم قررها نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فحرم مكة ما أحاط وأطاف بها من جوانبها الأربع، ومسافة تلك الحدود من الكعبة المشرفة والمسجد الحرام ليست متساوية بل متفاوتة، فهي تنتهي على بعد عشرة أميال في جهة الحديبية وجدة وكذا في جهة الطائف، وتسعة في أخرى، أي الجعرانة، وسبعة في ناحية، أي في جهة عرفات والعراق، وكذا في جهة اليمن، وثلاثة فقط في أخرى، أي في جهة التنعيم. وقد نصبت علامات لانتهاء الحرم في الجهات المذكورة، وإذا وصلت هذه العلامات بخطوط مستقيمة بينها تحدث من ذلك خارطة تشبه شكلاً مخمسًا ويكون طول الحرم حول مكة سبعة وثلاثين ميلاً وهي التي تدور بأنصاب الحرم المبنية في جميع جوانبه، وقد جعل الله تعالى هذه المنطقة المحاطة بالخطوط حرمًا يجب تكريمه واحترامه، وشرع له أحكامًا يختص به، فمثلاً لا يقتل صيدها ولا يختلى خلاه ولا يعضد شجرها وغير ذلك من الأحكام، وحرمة هذه القطعة من الأرض ليست إلا لأن لها علاقة ونسبة ببيت الله الحرام وهو في الحقيقة تكريم للكعبة وإجلال للبيت. ثم إن خارج تلك الحدود على بعد عشرات من الأميال قد وقتت خمس أماكن للقادمين إلى مكة للحج والعمرة يقال لها المواقيت جمع الميقات، وهي خمسة: ذو الحليفة، الجحفة، قرن المنازل، يلملم، ذات عرق. قد عين النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الأمكنة ميقاتًا للحجاج القادمين من طرفها، وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز لأحد يمر على واحد من هذه المواقيت الخمسة المنصوصة وهو يريد الحج أو العمرة أن يتجاوزه بدون الإحرام، فإن جاوزه غير محرم فقد أساء الأدب ببيت الله الحرام وعليه دم عند الجمهور، وإن سلك أحد طريقًا لا يقع فيها أي واحد من هذه المواقيت فإنه لا بد أن يمر بمحاذاته في محل ما فعليه أن يحرم قبل أن يتجاوز محل محاذاته، فإن لم يستطع أن يعرف محل المحاذاة فعليه أن يحرم قبل مرحلتين من مكة المكرمة. وبعد هذا فاعلم أن في الزمن القديم حينما كان السفر في البحر بالسفن الشراعية كان الحجاج القادمون من الهند والبلاد الشرقية ينزلون على واحدة من موانئ اليمن مثل الحديدة أو غيرها ثم يسافرون منها إلى مكة المكرمة في البر من طريق اليمن، ولذا كان الواجب عليهم أن يحرموا من يلملم)) لأن ميقات أهل اليمن ومن أتي من طريقهم يلملم، ولكن في زمننا هذا لا ترسي بواخر حجاج الهند والباكستان في موانئ اليمن بل تقطع طريقها في البحر رأسًا إلى جدة وترسي في مينائها، ولذا لا يقع يلملم في طريقهم ولا يمرون على خط محاذاتها أيضًا فليس هناك وجه معقول لا يجاب الإحرام عليهم في البحر قبل وصول باخرتهم إلى جدة، ولكن قد جرى العمل على أن ربان باخرة الحجاج القادمة من الهند أو الباكستان يعلن قبل الوصول إلى جدة بيوم وليلة أو أكثر بأن الباخرة ستمر قريبًا من جبل يلملم في الوقت الفلاني فعلى الحجاج أن يتأهبوا ويحرموا قبل ذلك، فالحجاج يحرمون في ذاك المحل من البحر عملاً بهذا الإعلان، فإن كان معناه أن جبل يلملم يرى بالتلسكوب (المنظار) وأمثالها من الآلات من ذلك المحل الذي يبعد منه

<<  <  ج: ص:  >  >>