أكثر من خمسين ميلاً يقينًا فلا علاقة لهذه الرؤية بمسألة المحاذاة المعتبرة. وإن كان معناه أنه يمكن أن يخط خط مستقيم إلى جبل يلملم من ذلك المحل فهذا الإمكان متحقق من كل محل ولا يختص بمحل دون آخر، وعلى كل حال فإن المسألة ما زالت غير واضحة لي مع أني وافقتهم في الإحرام في ذاك المحل سنة ٧٥، وسنة ٨٢ من الهجرة، فأحرمت حيثما أحرموا وذلك لأنه لا شبهة في جواز الإحرام قبل الميقات عند الجمهور، وبما أنه لا يقع، أي ميقات في طريق بواخر الحجاج القادمة من الهند أو الباكستان ولا يحاذي أي واحد منها بل تقطع طريقها في البحر في حدود الآفاق، أي إلى غير جهة الحرم بعيدة عن يلملم الذي هو جبل من جبال تهامة وقريب من مكة المكرمة فلا يمكن لأية باخرة أو سفينة أن تتجاوزه أو تتجاوز خط محاذاته إلى جهة الحرم قبل وصولها إلى جدة ولو كانت تجرى على الساحل، وقد ذكرنا فيما سبق أن الحدود التي حدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحرم إذا أحطناها بالخطوط الممتدة من حد إلى حد تحدث منه صور مخمسة، ثم إنه قد وقتت خمس أماكن مواقيت للحج والعمرة على بعد عشرات من الميل (بل على نحو أكثر من مأتي ميل إلى جهة المدينة) وقد مر تفصيله فيما سبق، وإذا أحطنا تلك المواقيت الخمسة بالخطوط تظهر منها أيضًا صورة مخمسة ممتدة الأطراف. وإذا أتضح لك هذا فاعلم أن المنطقة الواقعة ما بين خارج حدود الحرم، أي خارج الخطوط المحيطة بحدود الحرم إلى المواقيت يقال لها الحل الصغير لأنه يحل فيها الصيد لكن يحرم المرور والدخول فيها بغير إحرام لمن يسكن وراء الميقات، مثلاً المنطقة الواقعة ما بين مكة والتنعيم في جهة المدينة حرم ومنها إلى ذي الحليفة حل صغير وسائر الأرض خارج حدود المواقيت الخمسة يقال لها الآفاق أو الحل الكبير، فالذين يسكنون خارج حدود الحرم دون حدود المواقيت (أي في الحل الصغير) يجب عليهم الإحرام قبل دخولهم حدود الحرم إذا أرادوا الحج والعمرة، مثلاً الذين يسكنون في شمال مكة بين التنعيم وذي الحليفة يجب عليهم أن يحرموا من التنعيم قبل الدخول في حدود الحرم، والذين يسكنون في الآفاق خارج المواقيت يجب عليهم الإحرام من مواقيتهم قبل أن يتجاوزوا حدود الميقات (أي قبل دخولهم في الحل الصغير) ، فالذي يمر على أحد هذه المواقيت الخمسة حكمه واضح أنه يحرم من ذلك الميقات قبل أن يتجاوزه إلى الحل الصغير أو إلى جهة الحرم. أما الذي لا يمر على واحد من هذه المواقيت فيجب عليه الإحرام قبل تجاوزه الخط الذي يمتد من ميقات إلى آخر ويكون حدًا فاصلاً بين الحل الصغير والآفاق، أي الحل الكبير، وإن هذا الخط في الأصل هو خط محاذاة الميقات، فالحاج ما دام خارج الخط المذكور فهو في الآفاق، وإذا جاوز هذا الخط فقد دخل حدود الحل الصغير، ولا يجوز لآفاقي أن يدخل الحل الصغير بدون الإحرام وقد ذكرنا فيما سبق أنه إن جاء أحد من طريق لا يقع أي ميقات فيه ولا يمكن له معرفة حد الحل الصغير بالضبط أعني خط محاذاة الميقات فعليه أن يحرم قبل مرحلتين من مكة. فإذا كانت باخرة الحجاج القادمين من