البلاد الشرقية - الهند أو الباكستان وغيرهما - لا تمر في البحر بيلملم أو بمحاذاتها بل تقطع طريقها في الآفاق، أي في الحل الكبير إلى غير جهة الحرم متوجهة إلى جدة وترسي في مينائها يجوز للحجاج المسافرين في تلك البواخر أن يؤخروا الإحرام إلى جدة ويحرموا منها، لأنها على مرحلتين من مكة، والمسافة بين مكة ويلملم أيضًا مثله كما قال الهيتمي في تحفة المحتاج بشرح المنهاج (ج ٤ ص ٤٥) : وخرج بقولنا ((إلى جهة الحرم)) ما لو جاوزه يمنة أو يسرة فله أن يؤخر إحرامه لكن بشرط أن يحرم من محل مسافته إلى مكة مثل مسافة ذلك الميقات كما قاله الماوردي وجزم به غيره، وبه يعلم أن الجائي من اليمن في البحر له أن يؤخر إحرامه من محاذاة يلملم إلى جدة لأن مسافتها إلى مكة كمسافة يلملم كما صرحوا به بخلاف الجائي فيه من مصر ليس له أن يؤخر إحرامه عن محاذاة الجحفة لأن كل محل من البحر بعد الجحفة أقرب إلى مكة منها فتنبه لذلك، هذا بالنسبة للحجاج المسافرين بالباخرة، أما الحجاج المسافرون بالطائرة فإن طائراتهم تقطع طريقها في أجواء البر وتمر على قرن المنازل عمومًا وتدخل أول الحل مارة على واحد من الميقاتين: قرن المنازل أو ذات عرق، ثم تصل جدة وتنزل بها، ولذا يجب عليهم الإحرام قبل مرورهم على قرن المنازل، وبما أنه يتعذر علم الساعة التي تمر فيها الطائرة على الميقات بالضبط فالأحوط لهم أن يحرموا عند ركوبهم الطائرة، لأنهم إن جاوزوا الميقات بدون الإحرام ووصلوا جدة غير محرمين يأثمون ويجب عليهم الدم عند الجمهور، وسيأتي مزيد الكلام في هذا في شرح حديث جابر في المواقيت. تنبيه قال النووي: أقرب المواقيت إلى مكة قرن المنازل ميقات أهل نجد وفي ذلك نظر لأن ابن حزم ذكر كما تقدم أن بين قرن ومكة اثنين وأربعين ميلاً وأن بين يلملم ومكة ثلاثين ميلاً فتكون يلملم حينئذ أقرب المواقيت إلى مكة وعلى ما ذكر صاحب التيسير يكون قرن ويلملم على حد سواء من مكة. قال الحافظ: أبعد المواقيت من مكة ذو الحليفة ميقات أهل المدينة، فقيل: الحكمة في ذلك أن تعظم أجور أهل المدينة. وقيل رفقًا بأهل الآفاق لأن أهل المدينة أقرب الآفاق إلى مكة أي: ممن له ميقات معين - انتهى. وقال في حجة الله البالغة: لما كان الإتيان إلى مكة شعثًا تفلاً تاركًا لغلواء نفسه مطلوبًا، وكان في تكليف الإنسان أن يحرم من بلده حرج ظاهر، فإن منهم من يكون قطره على مسيرة شهر وشهرين وأكثر وجب أن يخص أمكنة معلومة حول مكة يحرمون منها ولا يؤخرون الإحرام بعدها، واختار لأهل المدينة أبعد المواقيت لأنها مهبط الوحي ومأرز الإيمان ودار الهجرة وأول قرية آمنت بالله ورسوله، فأهلها أحق أن يبالغوا في إعلاء كلمة الله وأن يخصوا بزيادة تعظيم الله، وأيضًا فهي أقرب الأقطار التي آمنت في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى. قلت: لبيت الله الحرام من التكريم والتعظيم والتقديس والإجلال ما لا يخفى على مسلم، ومن آثار ذلك أن جعل له حمى وحدودًا لا يتجاوزها قاصده بحج أو عمرة إلا وقد أحرم وأتى في حال خشوع وخضوع وتقديس وإجلال عبادة لله واحترامًا لهذا البيت المطهر، ومن رحمة الله بخلقه أنه لم يجعل لهم ميقاتًا واحدًا في إحدى