جهاته بل جعل لكل جهة محرمًا وميقاتًا يكون في طريق سالكه إلى مكة سواء كان من أهل تلك الجهة أو لا وذلك لئلا تلحقهم المشقة بقصدهم ميقاتًا ليس في طريقهم حتى جعل ميقات من داره دون المواقيت مكانه الذي هو فيه، حتى أهل مكة يحرمون بالحج من مكة فلا يلزمهم الخروج إلى الحل. وفي تقدير النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المواقيت وتحديدها معجزة من معجزاته الدالة على صدق نبوته، فقد حددها ووقتها وأهلها لم يسلموا غير أهل المدينة إشعارًا منه بأن أهل تلك الجهات سيسلمون ويحجون ويحرمون منها، وقد كان ولله الحمد والمنة (فهن) أي: المواقيت المذكورة (لهن) بضمير المؤنثات، وكان مقتضى الظاهر أن يكون ((لهم)) بضمير المذكرين، فأجاب ابن مالك بأنه عدل إلى ضمير المؤنثات لقصد التشاكل وكأنه يقول ناب ضمير عن ضمير بالقرينة لطلب التشاكل وأجاب غيره بأنه على حذف مضاف أي: هن لأهلهن أي: هذه المواقيت لأهل هذه البلدان بدليل قوله الآتي: ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) فصرح بالأهل ثانيًا. قال النووي: الضمير في ((لهن)) عائد على المواضع والأقطار المذكورة وهي المدينة، والشام، واليمن ونجد أي: هذه المواقيت لهذه الأقطار، والمراد لأهلها، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وفي رواية للبخاري ((هن لهم)) بضمير المذكرين وهو واضح. قال الحافظ: أي: المواقيت المذكورة لأهل البلاد المذكورة. ووقع في رواية أخرى أي: للبخاري في باب دخول مكة بغير إحرام بلفظ: ((هن لهن)) أي: المواقيت للجماعات المذكورة أو لأهلهن على حذف المضاف، والأول أي:((لهم)) بضمير المذكرين هو الأصل، ووقع في باب مهل أهل اليمن بلفظ:((هن لأهلهن)) وقوله: ((هن)) ضمير جماعة المؤنث وأصله لمن يعقل، وقد استعمل فيما لا يعقل لكن فيما دون العشرة - انتهى. وقال القرطبي: أما جمعه من لا يعقل بالهاء والنون في قوله: ((فهن لهم)) فمستعملة عند العرب وأكثر ذلك في العشرة فما دونها فإذا جاوزها قالوا بهاء المؤنث لا غير كما قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً}(- ٩: ٣٦) ثم قال {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}(-٩: ٣٦) أي: من الإثنى عشر، ثم قال:{فَلَا تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}(- ٩: ٣٦) أي: في هذه الأربعة وقد قيل في الجميع وهو ضعيف شاذ - انتهى. (ولمن أتى) أي: مر (عليهن) أي: على المواقيت (من غير أهلهن) أي: من غير أهل البلاد المذكورة، وهذا يقتضي أن المواقيت المذكورة مواقيت أيضًا لمن أتى عليها وإن لم يكن من أهل تلك المواقيت المعينة، فإنه يلزمه الإحرام منها إذا أتى عليها قاصدًا لإتيان مكة لأحد النسكين، فيدخل في ذلك ما إذا ورد الشامي مثلاً إلى ذي الحليفة فإنه يجب عليه الإحرام منها ولا يتركه حتى يصل الجحفة، فإن آخر أساء ولزمه دم، هذا عند الجمهور. وقالت المالكية والحنفية: يجوز له التأخير إلى ميقاته وإن كان الأفضل له أن يحرم من ميقات المدينة أي: من ذي الحليفة. قال الحافظ: الشامي إذا أراد الحج فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ولا يؤخره حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي، فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور وأطلق النووي الاتفاق ونفى الخلاف في