قال: من أحب منكم أن يستمتع بثيابه إلى الجحفة فليفعل - انتهى. قال القاري في شرح النقاية: لو لم يحرم المدني ومن بمعناه من ذي الحليفة وأحرم من الجحفة فلا شيء عليه وكره وفاقًا، وعن أبي حنيفة يلزمه دم، وبه قال الشافعي، لكن الظاهر هو الأول لما روي في الحديث من قوله - صلى الله عليه وسلم - ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) فمن جاوز إلى الميقات الثاني صار ميقاتًا له - انتهى. وقال ابن الهمام: المدني إذا جاوز إلى الجحفة فأحرم بها فلا بأس، والأفضل أن يحرم من ذي الحليفة، ومقتضى كون فائدة التوقيت المنع من التأخير أن لا يجوز التأخير عن ذي الحليفة، ولذا روى عن أبي حنيفة أن عليه دمًا لكن الظاهر عنه هو الأول لما روي من تمام الحديث من قوله - صلى الله عليه وسلم - ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) فمن جاوز إلى الميقات الثاني صار من أهله، وروي عن عائشة أنها كانت إذا أرادت أن تحج أحرمت من ذي الحليفة، وإذا أرادت أن تعتمر أحرمت من الجحفة، ومعلوم أن لا فرق في الميقات بين الحج والعمرة، فلو لم تكن الجحفة ميقاتًا لهما لما أحرمت بالعمرة منها، فبفعلها يعلم أن المنع من التأخير مقيد بالميقات الأخير - انتهى. وقال ابن نحيم: قوله: أي: الماتن ((أن هذه المواقيت لأهلها ولمن مر بها)) قد أفاد أنه لا يجوز مجاوزة الجميع إلا محرمًا فلا يجب على المدني أن يحرم من ميقاته وإن كان هو الأفضل، وإنما يجب عليه أن يحرم من آخرها عندنا - انتهى. قلت: فعل ابن عمر رضي الله عنهما مخالف لتوقيت النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة فلا بد من تأويله، ولذا قال ابن عبد البر: محمله عند العلماء أنه مر بميقات لا يريد إحرامًا ثم بدا له فأهل منه أو جاء إلى الفرع من مكة أو غيرها ثم بدا له في الإحرام كما قاله الشافعي وغيره، وقد روى حديث الميقات ومحال أن يتعداه مع علمه به فيوجب على نفسه دمًا، وهذا لا يظنه عالم - انتهى. وقال الباجي: يجوز أن يكون عبد الله بن عمر ترك ظاهره أي: الأمر بالمواقيت لرأي رآه أو تأويل تأوله. قال: وفي كتاب محمد: قال مالك: كان خروج عبد الله بن عمر إلى الفرع لحاجة ثم بدا له فأحرم منها - انتهى. ويمكن أن يأول أن ابن عمر لم يمر في طريقه على ذي الحليفة بل ذهب إلى الفرع من طريق آخر. قال ابن قدامة في المغني (ج٣: ص٢٦٤) : فإن مر من غير طريق ذي الحليفة فميقاته الحجفة سواء كان شاميًا أو مدنيًا لما روى أبو الزبير أنه سمع جابر يسأل عن المهل فقال: سمعته أحسبه رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: مهل أهل المدينة من ذي الحليفة، والطريق الآخر من الجحفة. رواه مسلم، ولأنه مر على أحد المواقيت دون غيره فلم يلزمه الإحرام قبله كسائر المواقيت، ويمكن حمل حديث عائشة في تأخيرها إحرام العمرة إلى الجحفة على هذا، وأنها لا تمر في طريقها إلى ذي الحليفة لئلا يكون فعلها مخالفًا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولسائر أهل العلم - انتهى. وأما الحديث المرفوع الذي ذكره محمد في موطأه فهو مرسل ولا حجة في المرسل عند الجمهور لاسيما وهو معارض لأحاديث التوقيت الموصولة الصحيحة (لمن كان) بدل مما قبله بإعادة الجار، وفي رواية ((من كان)) (يريد الحج والعمرة) الواو بمعنى