للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

..............................................................................................

ــ

أهل المدينة تارة سكانها وتارة على سكانها والواردين عليها، ويصير هذا تفريقًا بغير دليل، وإذا حملنا أهل المدينة على ما ذكرناه لم يحصل في ذلك اضطراب ومشى اللفظ على مدلول واحد في الأحوال كلها، والله أعلم - انتهى كلام الولي العراقي فتأمل. وقال الأمير اليماني: إن صح ما قد روي من حديث عرو أنه - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل المدينة ومن مر بهم ذا الحليفة تبين أن الجحفة إنما هي ميقات للشامي إذا لم يأت المدينة، ولأن هذه المواقيت محيطة بالبيت كإحاطة جوانب الحرم فكل من مر بجانب من جوانبه لزمه تعظيم حرمته وإن كان بعض جوانبه أبعد من بعض - انتهى. ووقع في رواية ((هن لهن ولكل آت أتى عليهن من غيرهن)) قال السندي: أي لكل مار مر عليهن من غير أهلهن الذين قررت لأجلهم، قيل: هذا يقتضي أن الشامي إذا مر بذي الحليفة فميقاته ذو الحليفة، وعموم ((ولأهل الشام الجحفة)) يقتضي أن ميقاته الجحفة فهما عمومان متعارضان، قلت: أنه لا تعارض إذ حاصل العمومين أن الشامي المار بذي الحليفة له ميقاتان أصلي وميقات بواسطة المرور بذي الحليفة، وقد قرروا أن الميقات ما يحرم مجاوزته بلا إحرام لا ما لا يجوز تقديم الإحرام عليه فيجوز أن يقال: ذلك الشامي ليس له مجاوزة شيء منهما بلا إحرام فيجب عليه أن يحرم من أولهما، ولا يجوز التأخير إلى آخرهما فإنه إذا أحرم من أولهما لم يجاوز شيئًا منهما بلا إحرام، وإذا أخر إلى آخرهما فقد جاوز الأول منهما بلا إحرام وذلك غير جائز له، وعلى هذا فإذا جاوزهما بلا إحرام فقد ارتكب حرامين بخلاف صاحب ميقات واحد فإنه إذا جاوزه بلا إحرام فقد ارتكب حرامًا واحدًا، والحاصل أنه لا تعارض في ثبوت ميقاتين لواحد، نعم لو كان معنى الميقات ما لا يجوز تقديم الإحرام عليه لحصل التعارض - انتهى. وقد علم مما ذكرنا أن ها هنا ثلاثة صور أو ثلاثة مسائل: إحداها أن يمر من ليس ميقاته بين يديه كاليمنى والعراقي والنجدي يمر أحدهم بذي الحليفة، وهذا لا خلاف فيه بين الأئمة أنه يلزمه الإحرام من ذي الحليفة، ولا يجوز له المجاوزة عنها بغير إحرام لأنه ليس ميقاته بين يديه وعليه حملت المالكية ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) . والثانية أن يمر من ميقاته بين يديه كالشامي مثلاً بذي الحليفة، واختلفوا فيه فقالت الشافعية والحنابلة وإسحاق: يلزمه الإحرام من ذي الحليفة ولا يجوز له التأخير إلى ميقاته، أي الجحفة لظاهر الحديث خلافًا للمالكية والحنفية وأبي ثور وابن المنذر من الشافعية. والثالثة أن المدني إذا جاوز عن ميقاته إلى الجحفة فهل يجوز له ذلك أم لا؟ وبالأول قالت الحنفية كما في كتب فروعهم، وبالثاني قال الجمهور وهو القول الراجح المعول عليه عندنا قلت: واستدل الحنفية بما روى مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أهل من الفرع، قال محمد في موطأه: أما إحرام عبد الله بن عمر من الفرع وهو دون ذي الحليفة إلى مكة فإن أمامها وقت آخر وهو الجحفة، وقد رخص لأهل المدينة أن يحرموا من الجحفة لأنها وقت من المواقيت (يعني أن الواجب أن لا يتجاوز عن مطلق الميقات لا عن الميقات الأول) ، ثم روى محمد عن أبي يوسف عن إسحاق بن راشد عن محمد بن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>