الحرمين فلم يلزم الإحرام كدخوله حرم المدينة، ولأن الوجوب من الشرع ولم يرد من الشارع إيجاب ذلك على كل داخل فبقى على الأصل. إذا ثبت هذا فمتى أراد هذا الإحرام بعد تجاوز الميقات رجع فأحرم منه فإن أحرم من دونه فعليه دم كالمريد للنسك - انتهى كلام ابن قدامة. وقد علم مما تقدم أن الإمام الشافعي ذهب في المشهور عنه إلى جواز دخول مكة بغير إحرام لمن لم يرد الحج أو العمرة وهو مذهب الظاهرية، ونصره ابن حزم في المحلى، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وأبو البقاء ابن عقيل، قال ابن مفلح في الفروع وهي ظاهرة واستدلوا على ذلك بقوله في هذا الحديث لمن كان يريد الحج والعمرة، واستدلوا أيضًا بما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل يوم الفتح حلالاً وعلى رأسه المغفر وكذلك أصحابه، وبما روى مالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر دخل مكة بغير إحرام، وبأنه قد ثبت بالاتفاق أن الحج والعمرة عند من أوجبها إنما يجب مرة واحدة، فلو أوجبنا على كل من دخلها أن يحج أو يعتمر لوجب أكثر من مرة، وبأن الوجوب من الشرع ولم يرد من الشارع إيجاب ذلك على كل داخل فبقي على الأصل. واستدل لأبي حنفية ومالك وأحمد بقوله - صلى الله عليه وسلم - في مكة أنها حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي إنما أحلت لي ساعة من نهار ثم عادت حرامًا كحرمتها بالأمس. قال الطحاوي وابن الهمام وغيرهما يعنى في الدخول بغير إحرام لإجماع المسلمين على حل الدخول بعده للقتال وأجيب عن ذلك بأن الحديث ليس له دخل في الإحرام، وإنما هو في تحريم القتال في مكة، قال الشيخ محمد عابد السندي في المواهب اللطيفة: وأما ما زعم الطحاوي بأن ذلك مصداق قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي شريح وغيره أنها لم تحل له إلا ساعة من نهار وأن المراد بذلك جواز دخولها بغير إحرام لا تحريم القتل والقتال فيها لأنهم أجمعوا على أن المشركين لو غلبوا - والعياذ بالله - على مكة حل للمسلمين قتالهم وقتلهم فيها - انتهى. فقد دفعه الشيخ أبو الحسن السندي بأن ذلك مخالف لصريح الحديث، فإن في حديث أبي شريح عند الشيخين: فإن أحد ترخص لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا:((إن الله تعالى أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أحلت لي ساعة من نهار)) فهذا صريح في أن الساعة إنما أبيحت له في القتال لا في دخول مكة بغير إحرام، ولذلك قال النووي: في حديث أبي شريح دلالة على أن مكة تبقى دار الإسلام إلى يوم القيامة، ونهى المترخص إذا قاتل في رئاسة دنيوية، وفي دعواه الإجماع نظر فقد حكى القفال والماوردي وغيرهما القول بعدم حل القتال أصلاً في مكة ونقلوا في ذلك عن محققي الشافعية والمالكية - انتهى كلامه. وأشار الطحاوي إلى حديث أبي شريح في القتال والدخول بلا إحرام كليهما، فكان الأمران خاصة له في ذلك اليوم، ولا يخفى ما فيه، فإن قوله في الحديث ((فإن أحد ترخص لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) ألخ. نص بأنه في تحرم القتال في مكة خاصة واستدل لهم أيضًا بحديث ابن عباس مرفوعًا ((لا يجاوز أحد الميقات إلا محرمًا)) أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني، وفي إسناده خصيف بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير، وقد