للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

..............................................................................................

ــ

ميقات عمرة أهل مكة كحجهم، وكذلك القارن منهم ميقاته مكة، ولكن قال المحب الطبري: إنه لا يعلم أحدًا جعل مكة ميقاتًا للعمرة في حق المكي. قال: فعليه أن يخرج من الحرم إلى أدني الحل يدل عليه أمره - صلى الله عليه وسلم - عائشة أن تخرج إلى التنعيم وانتظاره مع جملة الحجيج لها، ثم فعل من جاور بمكة من الصحابة ثم تتابع التابعين وتابعيهم إلى اليوم، وذلك إجماع في كل عصر. قال الأمير اليماني: وجوابه أنه - صلى الله عليه وسلم - جعلها ميقاتًا لها بهذا الحديث، وأما ما روي عن ابن عباس أنه قال ((يا أهل مكة من أراد منكم العمرة فليجعل بينه وبينها بطن محسر)) ، يعنى إذا أحرم بها من ناحية المزدلفة. وقال أيضًا: من أراد من أهل مكة أن يعتمر خرج إلى التنعيم ويجاوز الحرم. فآثار موقوفة لا تقاوم المرفوع، وأما ما ثبت من أمره - صلى الله عليه وسلم - لعائشة بالخروج إلى التنعيم لتحرم بعمرة فلم يرد إلا تطييب قلبها بدخولها إلى مكة معتمرة كصواحباتها، لأنها أحرمت بالعمرة معه ثم حاضت فدخلت مكة ولم تطف بالبيت كما طفن كما يدل له قولها ((قلت: يا رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد، قال: انتظري فاخرجي إلى التنعيم فأهلي منه)) الحديث. فإنه محتمل أنها إنما أرادت أن تشابه الداخلين من الحل إلى مكة بالعمرة، ولا يدل أنها لا تصح العمرة إلا من الحل لمن صار في مكة، ومع الاحتمال لا يقاوم حديث الباب. قال: وعند أصحاب أحمد أن المكي إذا أحرم للعمرة من مكة كانت عمرة صحيحة. قالوا: ويلزمه دم لما ترك من الإحرام من الميقات. قال الأمير اليماني: ويأتيك أن إلزامه الدم لا دليل عليه. وقال الشوكاني في السيل الجرار (ج٢ ص ٢١٦) : وقع التصريح في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين وغيرهما بعد ذكر المواقيت لأهل كل محل أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: ((فهي لأهلهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة)) فصرح في هذا الحديث بالعمرة يعني ففيه تعيين ميقات للعمرة والحج كليهما لأهل هذه المواقيت ولأهل مكة جميعًا وقال أبو الحسن السندي في حاشيته على الصحيح: قول البخاري ((باب مهل أهل مكة للحج والعمرة)) كأنه نبه بذلك على أن سوق الحديث لميقات الحج والعمرة جميعًا لا لميقات الحج فقط، ولذلك قال: ممن أراد الحج والعمرة، فمقتضاه أن ما جعل ميقاتًا لأهل مكة يكون ميقاتًا لهم للحج والعمرة جميعًا لا للحج فقط، وإن ذهب الجمهور إلى الثاني وجعلوا ميقات العمرة لأهل مكة أدني الحل بحديث إحرام عائشة بالعمرة من التنعيم، وذلك لأن عائشة ما كانت مكية حقيقة فيجوز أن يكون ميقات مثلها التنعيم للعمرة وإن كان ميقات المكي نفس مكة، وكذا يجوز إحرامها من التنعيم لأنها أرادت العمرة الآفاقية حيث أرادت المساواة لسائر المعتمرين في ذلك السفر، فحديث عائشة لا يعارض هذا الحديث، فكأنه بهذه الترجمة أراد الاعتراض على الجمهور، والله تعالى أعلم - انتهى. وقد ظهر بهذا كله أن كل ما استدل به الجمهور هو قضية عائشة في اعتمارها من التنعيم وآثار موقوفة عن ابن سيرين وعطاء وابن عباس. قالوا: قضية عائشة مع أثر ابن عباس مخصصة لحديث الباب، وفيه أن قضية عائشة واقعة جزئية محتملة، وحديث الباب فيه بيان ضابطه وقانون عام فيقدم على حديث عائشة، والآثار الموقوفة لا تعارض المرفوع، والعبرة لما روى الصحابي لا لرأيه

<<  <  ج: ص:  >  >>