به، أفتراه كره إتمام العمرة واشتد عليه أن يأخذ الناس بالأفضل، هذا لا يجوز فيتعين حمل قولهما في ذلك على ما حمله عليه الأئمة، والله أعلم - انتهى كلام ابن قدامة. قلت: القول الراحج عندنا قول من قال: بكراهة تقديم الإحرام قبل الميقات، وقد روي ذلك عن عمر، وعثمان رضي الله عنهما كما تقدم، وهو الموافق لحكمة تشريع المواقيت، وما أحسن ما ذكر الشاطبي في الاعتصام (ج١: ص١٦٧) ومن قبله الهروي في ذم الكلام عن الزبير بن بكار: قال حدثني ابن عيينة قال سمعت مالك بن أنس وأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله من أين أحرم؟ قال: من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر، قال: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة، فقال: فأي فتنة في هذه؟ إنما هي أميال أزيدها. قال: وأي فتنة أعظم من أن تري أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني سمعت الله يقول:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(٢٤: ٦٣) انتهى. وأما حديث:((من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك)) فهو حديث منكر أخرجه البيهقي (ج٥: ص٣١) من طريق جابر بن نوح عن محمد بن عمرو عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله عز وجل:{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} قال: فذكره. قال الشيخ ناصر الدين الألباني: هذا سند ضعيف، ضعفه البيهقي بقوله: فيه نظر ووجهه أن جابرًا هذا متفق على تضعيفه، وأورد له ابن عدي (٥٠/٢) هذا الحديث وقال: لا يعرف إلا بهذا الإسناد، ولم أر له أنكر من هذا - انتهى. وقد خفى هذا على الشوكاني فقال في نيل الأوطار (ج٤: ص١٨٠) : ثبت هذا مرفوعًا من حديث أبي هريرة أخرجه ابن عدي والبيهقي - انتهى. وقد رواه البيهقي من طريق عبد الله بن سلمة المرادي عن علي موقوفًا، ورجاله ثقات إلا أن المرادي هذا كان تغير حفظه، وعلى كل حال هذا الموقوف أصح من المرفوع - انتهى. وأما حديث أم سلمة في الإحرام من المسجد الأقصى ففي صحته نظر وإن سكت عليه أبو داود. وقد أخرجه أيضًا أحمد (ج٦: ص٢٩٩) ، وابن ماجة، والدارقطني، والبيهقي (ج٥: ص٣٠) ، وابن حبان في صحيحه بألفاظ مختلفة كلهم من طريق حكيمة عن أم سلمة مرفوعًا. قال ابن القيم: في تهذيب السنن (ج٢: ص ٢٨٤) : قال غير واحد من الحافظ إسناده ليس بالقوي، وأعله المنذري بالاضطراب فقال في مختصر السنن (ج٢: ص٢٨٥) : وقد اختلف الرواة في متنه وإسناده اختلافًا كثيرًا وكذا أعله بالاضطراب الحافظ ابن كثير كما في نيل الأوطار (ج٤: ص١٧٨) ، ثم إن المنذري كأنه نسى هذا فقال في الترغيب والترهيب:((رواه ابن ماجة بإسناد صحيح)) وأنى له الصحة وفيه ما ذكره من الاضطراب، وسيأتي شيء من الكلام عليه في آخر الفصل الثاني، وفي الاستدلال به على جواز تقديم الإحرام على الميقات مطلقًا نظر لأن دلالته أخص من ذلك أعني أنه إنما يدل على أن الإحرام من بيت المقدس خاصة أفضل من الإحرام من المواقيت، وأما غيره من البلاد فالأصل الإحرام من المواقيت المعروفة وهو الأفضل كما قرره الأمير اليماني في سبل السلام وابن قدامة في المغني وهذا على فرض صحة الحديث أما وهو لم يصح كما رأيت فبيت المقدس كغيره في هذا الحكم لما سبق بيانه، وقد