هل صارت ميقاتًا لأهل العراق بتوقيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ونصه أم باجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وممن قال إنه مجتهد فيه من السلف طاوس، وابن سيرين، وأبو الشعثاء، وجابر بن زيد حكاه البيهقي وغيره. وممن قال من السلف أنه منصوص عليه عطاء بن أبي رباح، وحكاه ابن الصباغ عن أحمد وأصحاب أبي حنيفة، واختلف قول الشافعي فيه فقال في موضع: هو منصوص عليه، وفي موضع: ليس منصوصًا عليه، وكذلك اختلف فيه الشافعية وأكثرهم على أنه منصوص عليه. ويدل لذلك الأحاديث السابقة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - التي نص فيها أن ذات عرق ميقات العراق. قال النووي: قالوا: وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة فمجموعها يقوي بعضها بعضًا ويصير الحديث حسنًا ويحتج به، ويحمل تحديد عمر باجتهاده على أنه لم يبلغه تحديد النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدده باجتهاده فوافق النص - انتهى. واستدل من قال إنه مجتهد فيه بما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال: لما فتح هذان المصران (أي الكوفة والبصرة، والمراد بفتحهما غلبة المسلمين على مكان أرضهما) ، أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حد لأهل نجد قرنًا، وهو جور، أي ميل عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرن شق علينا. قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحد لهم ذات عرق. قالوا: فهذا الحديث الصحيح صريح في أن توقيت ذات عرق باجتهاد من عمر، وقد جاءت بذلك أيضًا آثار عن بعض السلف قال الحافظ بعد ذكرها: هذا كله يدل على أن ميقات ذات عرق ليس منصوصًا، وبه قطع الغزالي، والرافعي في شرح المسند، يعني مسند الشافعي، والنووي في شرح مسلم، وكذا وقع في المدونة لمالك، وصحح الحنفية، والحنابلة، وجمهور الشافعية، والرافعي في الشرح الصغير، والنووي في شرح المهذب: أنه منصوص. وقد وقع ذلك في حديث جابر عند مسلم إلا أنه مشكوك في رفعه. وقد أخرجه أحمد من رواية ابن لهيعة، وابن ماجة من رواية إبراهيم بن يزيد كلاهما عن أبي الزبير فلم يشكا في رفعه، ووقع في حديث عائشة وفي حديث الحارث بن عمرو السهمي كلاهما عند أحمد، وأبي داود، والنسائي، وهذا يدل على أن للحديث أصلاً، فلعل من قال إنه غير منصوص لم يبلغه، أو رأى ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق لا يخلو عن مقال، ولهذا قال ابن خزيمة: رويت في ذات عرق أخبار لا يثبت شيء منها عند أهل الحديث وقال ابن المنذر: لم نجد في ذات عرق حديثًا ثابتًا. قال الحافظ: لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى كما ذكرنا. قلت: أظهر القولين عندي وأرجحهما أن ذات عرق وقتها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل العراق لثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث، منها ما هو صحيح الإسناد ومنها ما في إسناده كلام، وبعضها يقوي يعضًا، ولا يعارض ذلك حديث ابن عمر عند البخاري الذي يدل على أن توقيت ذات عرق لأهل العراق باجتهاد من عمر، لاحتمال أن عمر لم يبلغه ذلك فاجتهد فوافق اجتهاده توقيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو رضي الله عنه معروف أنه وافقه الوحي في مسائل متعددة، فلا مانع من أن تكون هذه منها لا شرعًا ولا عقلاً ولا عادة. قال ابن قدامة: ويجوز أن يكون عمر ومن سأله لم يعلموا توقيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات