عرق فقال ذلك برأيه فأصاب ووافق قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان كثير الإصابة - انتهى. وأما إعلال بعضهم حديث ذات عرق بأن العراق لم تكن فتحت يومئذٍ فقال ابن عبد البر: هي غفلة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لكنه علم أنها ستفتح، فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق - انتهى. وبهذا أجاب الماوردي وآخرون فإن قلت: ما الجمع بين حديث ابن عباس الآتي في الفصل الثاني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل المشرق العقيق، وبقية الأحاديث في التوقيت من ذات عرق؟ قلت: في ذلك أوجه: أحدها: ضعف حديث ابن عباس، فإنه تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو سيئ الحفظ، وبتقدير صحته أحاديث التوقيت من ذات عرق أصح وأكثر وأرجح. الثاني: أن ذات عرق ميقات الوجوب، والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق فالإحرام من العقيق أفضل، فإن جاوزه وأحرم من ذات عرق جاز، وبهذا صرح الشافعية، الثالث: أن ذات عرق ميقات لبعض أهل العراق وهم أهل البصرة، والعقيق ميقات للبعض منهم وهم أهل المدائن، وقع ذلك في حديث لأنس عند الطبراني في الكبير، وفيه أبو ظلال هلال بن زيد، وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور. الرابع: أن ذات عرق كانت أولاً في موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة، وعلى هذا فذات عرق هو العقيق، واللفظان متواردان على شيء واحد، ومقتضى هذا الجواب وجوب الإحرام من العقيق، والجمهور على خلافه، فإنه لم يقل أحد: بتعيين الإحرام من العقيق، وإنما قالوا: يستحب احتياطًا. قال ابن المنذر: واختلفوا في المكان الذي يحرم منه من أتى من العراق على ذات عرق، فكان أنس يحرم من العقيق، واستحب ذلك الشافعي، وكان مالك، وإسحاق، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي يرون الإحرام من ذات عرق، وقال أبو بكر: الإحرام من ذات عرق يجزئ وهو من العقيق أحوط. اعلم أن من سلك طريقًا إلى الحرم لا ميقات فيها فميقاته المحل المحاذي لأقرب المواقيت إليه كما يدل عليه ما قدمنا نقلاً عن صحيح البخاري من توقيت عمر ذات عرق لأهل العراق لمحاذاتها قرن المنازل، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم. قال المحب الطبري: في حديث ابن عمر عند البخاري دلالة على أن من مر على طريق لا ميقات فيه أحرم إذا حاذى أقرب المواقيت إليه نزولاً على قضاء عمر. وقال الولي العراقي: سكت في حديث ابن عباس عند الشيخين عن قاصد مكة للنسك من غير أن يمر على شيء من هذه المواقيت، وقد قال الجمهور: يلزمه الإحرام إذا حاذى أقرب المواقيت إليه، وبه قال الأئمة الأربعة، وتمسكوا في ذلك بقول عمر رضي الله عنه لما شكى إليه أهل العراق جور قرن عن طريقهم:((انظروا حذوها من طريقكم)) والإحرام من محاذاة الميقات أقرب الأمور إلى النص، لأن القصد البعد عن مكة بهذه المسافة، فلزم إتباعه - انتهى. وحاصل مذهب الحنابلة في ذلك على ما في ((مفيد الأنام)) للشيخ ابن جاسر النجدي: من لم يمر بميقات من المواقيت الخمسة، أحرم بحج أو عمرة وجوبًا إذا علم أنه حاذى أقرب المواقيت منه لقول عمر رضي الله عنه:((انظروا حذوها من طريقكم)) رواه البخاري، وسن له أن