إلا التي كانت مع حجته، عمرة من الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة،
وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين
ــ
عليه (إلا التي كانت مع حجته) بفتح الحاء وكسرها والمراد أي انتهاء وإلا فهي بالنظر إلى الابتداء كانت في ذي القعدة واستشكل ابن التين هذا الاستثناء فقال: هو كلام زائد والصواب حذفه لأنه عد التي مع حجته فكيف يستثنيها أولاً؟ وأجاب عياض بأن الرواية صواب، وكأنه قال في ذي القعدة منها ثلاث والرابعة عمرته في حجته، أو المعنى كلها في ذي القعدة إلا التي اعتمر في حجته، لأن التي في حجته كانت في ذي الحجة (عمرة) بالنصب على البدلية وبالرفع على أنه مبتدأ موصوف بقوله: (من الحديبية) بحاء مضمومة فمهملة مفتوحة فتحتية ساكنة فموحدة مكسورة فتحتية ثانية مخففة، وقيل مشددة، أحد حدود الحرم على تسعة أميال من مكة. والخبر قوله:(في ذي القعدة) والحديبية قيل: اسم لبئر في طريق جدة سميت بشجرة حدباء هناك. قال الفاسي: يقال: إنها المعروفة الآن ببئر شمس، وقيل: شميس بالتصغير. وقال أبو علي البغدادي: في كتاب النوادر الحديبية مخففة الياء، موضع بين الحل والحرم. وقال أبو عمر ابن عبد البر: الحديبية آخر الحل وأول الحرم، وقيل: بعضها في الحل وبعضها في الحرم، وقيل: أكثرها في الحرم، وقال البخاري: الحديبية خارج من الحرم - انتهى. ووقع في رواية لمسلم:((أو زمن الحديبية)) وهو شك من الراوي، والمعنى واحد، وفي رواية للبخاري:((عمرة الحديبية في ذي القعدة حيث صده المشركون)) وكان توجهه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة يوم الاثنين مستهل ذي القعدة سنة ست، فخرج قاصدًا إلى العمرة وأحرم في ذي الحليفة، ولما بلغ الحديبية صده قريش عن الوصول إلى البيت، ووقعت بينهم المصالحة على أن يدخل مكة في العام المقبل وتحلل هو وأصحابه من العمرة بالنحر، ثم الحلق ورجع إلى المدينة، وعدوها من العمر مع عدم الطواف والسعي لترتب أحكامها من نحر الهدي، والحلق، أي الخروج من الإحرام، وقيل: باعتبار النية المترتب عليه المثوبة. وقال الكرماني: عمرة المحصر عن الطواف محسوبة بعمرة وإن لم تتم مناسكها، وعمرة الحديبية هي: العمرة الأولى من الأربع والثانية (عمرة) بالنصب والرفع كما مر (من العام المقبل في ذي القعدة) وهي: عمرة القضاء أو القضية سنة سبع (وعمرة من الجعرانة) بكسر الجيم وسكون العين المهملة وتخفيف الراء وبكسر العين وتشديد الراء لغتان، والأول ذهب إليه الأصمعي وصوبه الخطابي. قال ابن المديني: أهل المدينة يثقلون وأهل العراق يخففون، وبالتخفيف قيدها المتقنون. وقال الخطابي في ((تصحيف المحدثين)) : إن هذا مما ثقلوه وهو مخفف وهي موضع قريب من مكة معروف، بينها وبين الطائف وهي إلى مكة أقرب. قال القاري: وهو على ستة أميال أو تسعة أميال وهو الأصح، وسمي هذا الموضع باسم امرأة كانت تلقب بالجعرانة، وهي ريطة بنت سعد بن زيد بن عبد مناف، وقيل: كانت من قريش، وهي المشار إليها في قوله تعالى:{كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً}(١٦: ٩٢) كانت تغزل من أول النهار إلى نصفه ثم تنقضه، فضربت بها العرب مثلاً في الحمق ونقض ما أحكم من العقود وأبرم من العهود (حيث قسم غنائم حنين) بعد فتح مكة،