للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

..............................................................................................

ــ

وهي عمرة الحديبية لكونها لم تتم، وإن كانت وقعت في ذي القعدة، أو عدها ولم يعد عمرة الجعرانة لخفائها عليه، لكونها ليلاً، ومن قال: ثلاثًا. لم يحسب العمرة التي قرنها بحجته لأن حديثه مقيد بكون ذلك في القعدة، والتي في حجته كانت في ذي الحجة وقال ابن حزم: صدقت عائشة، وصدق ابن عمر، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعتمر مذ هاجر إلى المدينة عمرة كاملة إلا اثنتين كما قال ابن عمر - وهما عمرة القضاء وعمرة الجعرانة عام حنين - وعدت عائشة إلى هاتين العمرتين عمرة الحديبية التي صد عنها - صلى الله عليه وسلم -، فأحل بالحديبية ونحر الهدي. والعمرة التي قرن مع حجة الوداع لم يكمل أفعالها، فتألف قولاهما، وعلى ذلك يحمل قول أنس: ((أربع عمر)) ولا خلاف أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر ثلاث عمر: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة، والصحيح أن الثلاث كانت في القعدة. واختلفوا هل اعتمر الرابعة؟ فمن قال: إنه كان قارنًا أو متمتعًا في حجته عدها أربعًا، ومن قال إنه كان مفردًا عدها ثلاثًا. ويجوز على هذا نسبة الرابعة إليه، لأنه أمر الناس بها وعملت بحضرته. وأما ما ورد مخالفًا لذلك في الزمن كحديث ابن عمر عند الشيخين: ((أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربعًا إحداهن في رجب)) فيحمل على النسيان كما صرحت بذلك عائشة فقالت: ((يغفر الله لأبي عبد الرحمن نسى)) وكذلك قال غير واحد من المحدثين المحققين. وأما ما وقع في رواية عائشة عند أبي داود، وسعيد بن منصور، والبيهقي أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر عمرة في شوال، فيجمع بينه وبين ما ورد في الأحاديث الصحيحة أن الثلاثة كانت في ذي القعدة، بأن يكون ذلك وقع في آخر شوال وأول ذي القعدة، ويؤيده ما وقع في رواية عائشة نفسها عند أحمد، وابن ماجة بإسناد صحيح: ((أنه ما اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في ذي القعدة)) وأما ما رواه الدارقطني عن عائشة قالت: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عمرة رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتمت، الحديث. وقد قدمنا الكلام عليه في قصر الصلاة (ج٢: ص٢٦٥) فقال ابن القيم: هذا الحديث غلط فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعتمر في رمضان قط وعمره مضبوطة العدد والزمان، ويرحم الله أم المؤمنين، ما اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان قط، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: لم يعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في ذي القعدة. رواه ابن ماجة وغيره. ولا خلاف أن عمره لم تزد على أربع، فلو كان قد اعتمر في رجب لكانت خمسًا، ولو كان قد اعتمر في رمضان لكانت ستًا إلا أن يقال: بعضهن في رجب، وبعضهن في رمضان، وبعضهن في ذي القعدة، وهذا لم يقع. وإنما الواقع اعتماره - صلى الله عليه وسلم - في ذي القعدة كما قال أنس، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم - انتهى. وقال القسطلاني: قد حكم الحافظ بغلط هذا الحديث يعني حديث عائشة عند الدارقطني، إذ لا خلاف أن عمره لم تزد على أربع. وقد عينها أنس وعدها، وليس فيها ذكر شيء منها في غير ذي القعدة سوى التي مع حجته، ولو كانت له عمرة في رجب، وأخرى في رمضان لكانت ستًا، ولو كانت أخرى في شوال - كما هو في سنن أبي داود عن عائشة، أنه عليه الصلاة والسلام اعتمر في شوال - كانت سبعًا. والحق في ذلك أن ما أمكن فيه الجمع وجب ارتكابه دفعًا للمعارضة، وما لم يمكن فيه، حكم بمقتضى الأصح والأثبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>