٢٧) أي صائرًا إلى الفجور والكفر - انتهى. والقصد الحث على الاهتمام بتعجيل الحج قبل العوارض والموانع، وفيه دليل على أن الحج واجب على الفور، وقد اختلف العلماء هل الحج واجب على الفور أم على التراخي؟ فممن قال: إنه واجب على الفور الإمام أحمد، وأبو يوسف، وجمهور أصحاب أبي حنيفة، والمزني من أصحاب الشافعي. قال النووي: ولا نص في ذلك لأبي حنيفة، وكان الكرخي يقول: هو مذهب أبي حنيفة. وقال صاحب تبيين الحقائق في الفقه الحنفي: إن القول بأنه على الفور قول أبي يوسف، وعن أبي حنيفة ما يدل عليه، فإن ابن شجاع روى عنه أن الرجل إذا وجد ما يحج به وقد قصد التزوج قال يحج ولا يتزوج، لأن الحج فريضة أوجبها الله على عبده، وهذا يدل على أنه على الفور - انتهى. وقال القاري: الأصح عندنا أن الحج واجب على الفور، وهو قول أبي يوسف، وعن أبي حنيفة ما يدل عليه فذكر رواية ابن شجاع عنه، وأما مذهب مالك فعنه في المسألة قولان مشهوران كلاهما شهره بعض علماء المالكية أحدهما على الفور، والثاني: أنه على التراخي. ومحل الخلاف المذكور ما لم يحس الفوات بسبب من أسباب الفوات، فإن خشيه وجب عندهم فورًا اتفاقًا. وممن قال إن وجوبه على التراخي: الشافعي وأصحابه. قال النووي وبه قال الأوزاعي والثوري ومحمد بن الحسن ونقله الماوردي عن ابن عباس وأنس وجابر وعطاء وطاوس. قال القاري: وقال محمد: وهو رواية عن أبي حنيفة، وقول الشافعي: إنه على التراخي إلا أن يظن فواته لو أخره لأن الحج وقته العمر نظرًا إلى ظاهر الحال في بقاء الإنسان فكان كالصلاة في وقتها يجوز تأخيره إلى آخر العمر كما يجوز تأخيرها إلى آخر وقتها، إلا أن جواز تأخيره مشروط عند محمد بأن لا يفوت يعني لو مات ولم يحج أثم. ولأبي يوسف: إن الحج في وقت معين من السنة والموت فيها ليس بنادر فيضيق عليه للاحتياط لا لانقطاع التوسع بالكلية فلو حج في العام الثاني كان مؤديًا بإتفاقهما، ولو مات قبل العام الثاني كان آثم بإتفاقهما، وثمرة الخلاف بينهما إن ما تظهر في حق تفسيق المؤخر، ورد شهادته عند من يقول بالفور وعدم ذلك عند من يقول بالتراخي كذا حققه الشمني - انتهى. واحتج من قال إنه على التراخي بأدلة منها أنهم قالوا: إن الحج فرض عام ست من الهجرة، وقيل سنة تسع ولا خلاف أن آية {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} الآية، نزلت عام ست من الهجرة في شأن ما وقع من الحديبية من إحصار المشركين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وهم محرمون بعمرة وذلك في ذي القعدة سنة ست وإذا كان الحج فرض عام ست وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحج إلا عام عشر فذلك دليل على أنه على التراخي، إذ لو كان على الفور لما أخره عن أول وقت للحج بعد نزول الآية. قالوا: ولاسيما إنه عام ثمان من الهجرة فتح مكة في رمضان واعتمر عمرة الجعرانة في ذي القعدة من عام ثمان ثم رجع إلى المدينة ولم يحج. قالوا: واستخلف عتاب بن أسيد فأقام الناس الحج سنة ثمان بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقيم بالمدينة هو وأزواجه وعامة أصحابه ولم يحجوا. قالوا: ثم غزا غزوة تبوك في عام تسع وانصرف عنها قبل الحج فبعث أبا بكر رضي الله عنه فأقام الناس الحج سنة تسع ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو وأزواجه وعامة أصحابه