للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

..............................................................................................

ــ

قادرون على الحج، غير مشتغلين بقتال ولا غيره ولم يحجوا، ثم حج - صلى الله عليه وسلم - هو وأزواجه وأصحابه كلهم سنة عشر حجة الوداع، قالوا: فتأخيره الحج المذكور إلى سنة عشر دليل على أن الحج ليس وجوبه على الفور بل على التراخي، قال المحب الطبري: وما يتكلف من عذر في حقه - صلى الله عليه وسلم - وإن كان خلاف الأصل والظاهر فهو معدوم في حقهم، ولو وجب عليهم على الفور لبينه لهم - صلى الله عليه وسلم -، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، والعذر بصد المشركين قد زال بالفتح سنة ثمان، وما قيل من أن التأخير كان لأن لا يرى منكرًا من حج المشركين وطواف العراة فلذلك دليل على الجواز، إذ لو لم يجز التأخير لما كان هذا عذرًا في إسقاط واجب تعين، ثم ينتقض بمن تخلف من الصحابة وليسوا بأفضل ممن بعثه، ومنها ما جاء في حديث أنس في قصة ضمام بن ثعلبة السعدي أخرجه مسلم في أول كتاب الإيمان، وروى البخاري أصله، وفيه ((زعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً، قال صدق)) وقدوم ضمام بن ثعلبة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان سنة خمس من الهجرة، قاله محمد بن حبيب وآخرون. وقد صرح في هذا الحديث بوجوب الحج فتأخيره - صلى الله عليه وسلم - الحج إلى عام عشر دليل على أنه على التراخي لا على الفور، ومنها أنه إن أخر الحج من سنة إلى أخرى أو إلى سنين ثم فعله فإنه يسمى مؤديًا لحج لا قاضيًا له بإجماع المسلمين، قالوا: ولو حرم التأخير لكان قضاء لا أداء. ومنها ما هو مقرر في أصول الشافعية وهو أن المختار عندهم أن الأمر المجرد عن القرائن لا يقتضي الفور، وإنما المقصود منه الامتثال المجرد فوجوب الفور يحتاج إلى دليل خاص زائد على مطلق الأمر، ومنها أنهم قاسوا الحج على الصلاة الفائتة، قالوا: فهّي على التراخي ويقاس الحج عليها بجامع أن كلاً منهما واجب ليس له وقت معين، ومنها أنهم قاسوه على قضاء رمضان في كونها على التراخي بجامع أن كليهما واجب ليس له وقت معين، قالوا: ولكن تثبتت آثار أن قضاء رمضان غاية زمنه مدة السنة، واحتج من ذهب إلى أنه على الفور بأدلة أيضًا، منها آيات من كتاب الله تعالى يفهم منها ذلك وهي على قسمين، قسم منها فيه الدلالة على وجوب المبادرة إلى امتثال أوامره جل وعلا، والثناء على من فعل ذلك. كقوله تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (٣: ١٣٣) قوله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ} (٥٧: ٢١) الآية، فقوله: {وَسَارِعُواْ} و {سَابِقُوا} فيه الأمر بالمسارعة والمسابقة إلى مغفرته وجنته جل وعلا وذلك بالمبادرة والمسابقة إلى امتثال أوامره، ولا شك أن المسارعة والمسابقة كلتاهما على الفور لا التراخي. وكقوله: {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} (٢: ١٤٨ - ٥: ٤٨) الآية. ويدخل فيه الاستباق إلى الامتثال، وصيغ الأمر في قوله: {وَسَارِعُواْ} وقوله: {سَابِقُوا} وقوله: {فَاسْتَبِقُواْ} تدل على الوجوب، لأن الصحيح المقرر في الأصول أن صيغة ((افعل)) إذا تجردت عن القرائن اقتضت الوجوب، وذلك بدل على أن قوله: {سَابِقُوا} وقوله: {وَسَارِعُواْ} يدل على وجوب المبادرة إلى امتثال أوامر الله فورًا. ومن الآيات التي فيها الثناء

<<  <  ج: ص:  >  >>