على المبادرين إلى امتثال أوامر ربهم قوله تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}(٢١: ٩٠) الآية. وقوله تعالى:{أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}(٢٣: ٦١) والقسم الثاني من الآيات يدل على توبيخ من لم يبادر وتخويفه من أن يدركه الموت قبل أن يتمثل لأنه قد يكون اقترب أجله وهو لا يدري، فقد أمر الله تعالى خلقه أن ينظروا في غرائب صنعه وعجائبه كخلقه السماوات والأرض ونحو ذلك في آيات من كتابه كقوله:{قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}(١٠: ١٠١) الآية. وقوله تعالى:{أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا}(٥٠: ٦) الآية. ثم ذكر في آية أخرى ما يدل على أن ذلك النظر مع لزومه يجب معه النظر في اقتراب الأجل، فقد يقرب أجله ويضيع عليه أجر الامتثال بمعاجلة الموت، وذلك في قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ}(٧: ١٨٤) إذًا المعنى: أو لم ينتظروا في أنه عسى أن يكون قد اقترب أجلهم، فيضيع عليهم الأجر بعدم المبادرة قبل الموت. وفي الآية دليل واضح على أن الإنسان يجب عليه أن يبادر إلى امتثال الأمر، خشية أن يعالجه الموت قبل ذلك، ومنها أحاديث جاءت دالة على وجوب الحج على الفور كحديث ابن عباس (الذي نحن في شرحه) وهو حديث حسن وسيأتي تخريجه، وكحديث ابن عباس مرفوعًا: تعجلوا إلى الحج يعني الفريضة، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له، أخرجه أحمد (ج١: ص٣١٤) بسند ضعيف ووجه الدلالة من هذين الحديثين على وجوب الحج على الفور ظاهر. وكحديث عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل. قال عكرمة: سألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا: صدق. أخرجه أحمد، وأصحاب السنن، وابن خزيمة، والحاكم، والبيهقي. وسيأتي في باب الإحصار وفوت الحج. ومحل الشاهد من هذا الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وعليه الحج من قابل)) لأنه لو كان على التراخي لم يعين العام القابل، وهو دليل على أن الوجوب على الفور، ومن الأحاديث الدالة على ذلك أيضًا ما تقدم من حديث علي، وأبي أمامة وأبي هريرة، وعمر بن الخطاب، وقد سبق بيان وجه الدلالة من هذه الأحاديث في شرح حديث علي، ومنها أن الله أمر به وأن جماعة من أهل الأصول قالوا: إن الشرع واللغة والعقل كلها دال على اقتضاء الأمر الفور أما الشرع فقد قدمنا الآيات القرآنية الدالة على المبادرة فورًا لامتثال أوامر الله كقوله: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} الآية. وكقوله:{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} الآية. وأما اللغة فإن أهل اللسان العربي مطبقون على أن السيد لو قال لعبده: اسقني ماء فلم يفعل فأدبه، فليس للعبد أن يقول له: صيغة افعل في قولك: ((اسقني ماء)) تدل على التراخي، وكنت سأمتثل بعد زمن متراخ عن الأمر، بل يقولون: إن الصيغة ألزمتك فورًا، ولكنك عصيت أمر سيدك بالتواني والترخي، وأما العقل فإنا لو قلنا: إن وجوب الحج على التراخي فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن