للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

..............................................................................................

ــ

يكون ذلك التراخي له غاية معينة ينتهي عندها وإما لا، والقسم الأول ممنوع، لأن الحج لم يعين له زمن يتحتم فيه دون غيره من الأزمنة، بل العمر كله تستوي أجزاؤه بالنسبة إليه، إن قلنا: إنه ليس على الفور، والحاصل أنه ليس لأحد تعيين غاية له لم يعينها الشرع. والقسم الثاني هو أن تراخيه ليس له غاية يقتضي عدم وجوبه، لأن ما جاز تركه جوازًا لم تعين له غاية ينتهي إليها فإن تركه جائز إلى غير غاية، وهذا يقتضي عدم وجوبه، والمفروض وجوبه. فإن قيل: غايته الوقت الذي يغلب على الظن بقاؤه إليه. فالجواب أن البقاء إلى زمن متأخر ليس لأحد أن يظنه، لأن الموت يأتي بغتة فكم من إنسان يظن أنه يبقى سنين فيخترمه الموت فجاءة، وقد قدمنا قوله تعالى في ذلك: {وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} ولا ينتهي إلى حالة يتقين الموت فيها إلا عند عجزه عن العبادات، ولاسيما العبادات الشاقة كالحج، والإنسان طويل الأمل يهرم ويشب أمله. وتحديد وجوبه بستين سنة تحديد لا دليل عليه، فهذه جملة أدلة القائلين بأن وجوب الحج على الفور، ومنعوا أدلة المخالفين، قالوا: إن قولكم إن الحج فرض سنة خمس بدليل قصة ضمام بن ثعلبة المتقدمة، فإن قدومه سنة خمس، وقد ذكر له النبي - صلى الله عليه وسلم - وجوب الحج، وأن قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} الآية. نزلت عام ست في عمرة الحديبية، فدلت على أن الحج مفروض عام ست وأنه - صلى الله عليه وسلم - أخره بعد فرضه إلى عام عشر، كل ذلك مردود، بل الحج إنما فرض عام تسع، قالوا: والصحيح أن قدوم ضمام بن ثعلبة السعدي كان سنة تسع. وقال الحافظ في الإصابة في ترجمة ضمام بن ثعلبة المذكور ما نصه: وزعم الواقدي أن قدومه كان سنة خمس، وفيه نظر. وذكر ابن هشام عن أبي عبيد أن قدومه كان سنة تسع، وهذا عندي أرجح، إلخ. وانظر ترجيح الحافظ لكون قدومه عام تسع. وذكر ابن كثير قدوم ضمام المذكور في حوادث سنة تسع مع أنه ذكر قول من قال: إن قدومه كان قبل عام خمس، هذا وجه ردهم للاحتجاج بقصة ضمام، وأما وجه ردهم للاحتجاج بآية {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} فهو أنها لم يذكر فيها إلا وجوب الإتمام بعد الشروع، فلا دليل فيها على ابتداء الوجوب، وقد أجمع أهل العلم على من أحرم بحج أو عمرة وجب عليه الإتمام، ووجوب الإتمام بعد الشروع لا يستلزم ابتداء الوجوب. قال ابن القيم في زاد المعاد نصه: وأما قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} فإنها وإن نزلت سنة ست عام الحديبية فليس فيها فريضة الحج، وإنما فيها الأمر بإتمامه العمرة بعد الشروع فيهما، وذلك لا يقتضي وجوب الابتداء. فإن قيل فمن أين لكم تأخر نزول فرضه إلى التاسعة أو العاشرة؟ قيل: لأن صدر سورة آل عمران نزل عام الوفود، وفيه قدم وفد نجران على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصالحهم على أداء الجزية، والجزية إنما نزلت عام تبوك سنة تسع، وفيها نزل صدر سورة آل عمران، وناظر أهل الكتاب ودعاهم إلى التوحيد والمباهلة، ويدل عليه أن أهل مكة وجدوا في نفوسهم على ما فاتهم من التجارة من المشركين لما أنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>