من أداء الحج ثم أخره ثم فعله لا ترد شهادته فيما بين فعله وتأخيره ولو كان التأخير حرامًا لردت شهادته لارتكابه ما لا يجوز)) بأنه ما كل من ارتكب ما لا يجوز ترد شهادته بل لا ترد إلى بما يؤدي إلى الفسق وهنا قد يمنع من الحكم بتفسيقه مراعاة الخلاف. وقول من قال:((إنه لم يرتكب حرامًا)) وشبهت الأدلة التي أقاموها على ذلك وأجاب القائلون بالتراخي عن الاحتجاج بأن الأمر يقتضي الفور من وجهين: أحدهما: أن أكثر الشافعية قالوا: إن الأمر المطلق المجرد عن القرائن لا يقتضي الفور بل هو على التراخي، هذا هو المعروف في كتب الشافعية في الأصول، ونقله القاضي أبو الطيب في تعليقه في هذه المسألة عن أكثر الشافعية، والثاني: أنه يقتضي الفور، وهنا قرينة ودليل يصرفه إلى التراخي، وهو ما تقدم من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكثر أصحابه أنهم أخروا الحج إلى عام عشر، وأما حديث ((من أراد الحج فليتعجل)) فجوابه من وجهين: أحدهما: أنه حجة لنا لأنه فوض فعله إلى إرادته واختياره، ولو كان على الفور لم يفوض تعجيله إلى اختياره. والثاني: أنه ندب جمعًا بين الروايتين. قال المحب الطبري: الأمر في حديث ابن عباس ((تعجلوا الحج)) وفي حديث أبي هريرة ((حجوا قبل أن لا تحجوا)) أخرجه الدارقطني، محمول على الندب، ويؤيد ذلك قوله:((من أراد الحج فليتعجل)) فقوله: ((فليتعجل)) محمول على الندب لا محالة، ولا يجوز حمله على الوجوب لأن الخطاب لا يخلوا إما أن يكون لمن وجب عليه الحج أو لمن لم يجب عليه، فإن كان الثاني فظاهر ما ذكرناه، وإن كان الأول وهو الأظهر بدليل الحديث الآخر يعني الفريضة كان فيه دلالة على أن الخطاب الأول ما اقتضى الفورية، وإلا لزم التكرار لا لفائدة مع قبحه من حيث ربطه بالإرادة، فإن من قال لعبده: افعل كذا الساعة على وجه الإلزام، ثم قال: إن أردت أن تفعل كذا فافعله الساعة. عد هذا مناقضًا للأول وكل من قال إنه على التراخي حمل هذا على الاستحباب ولا يلزم على ذلك تناقض، فإن من قال لعبده: افعل كذا في جميع النهار. ثم قال: إن أردت فعل هذا الواجب عليك على وجه الأولوية فافعله الساعة. كان هذا الكلام جاريًا على نهج الاستقامة ولا يعد مناقضًا للأول، فكان حمل الكلام الفصيح عليه أولى – انتهى. قالوا: وأما الجواب عن حديث ((فليمت إن شاء يهوديًا)) فمن أوجه: أحدها: أنه ضعيف، والثاني: أن الذم لمن أخره إلى الموت. ونحن نوافق على تحريم تأخيره إلى الموت، والذي نقول بجوازه هو التأخير بحيث يفعل قبل الموت. الثالث: أنه محمول على من تركه معتقدًا عدم وجوبه مع الاستطاعة فهذا كافر، ويؤيد هذا التأويل أنه قال:((فليمت إن شاء يهوديًا أو نصرانيًا)) وظاهره أنه يموت كافر ولا يكون ذلك إلا إذا اعتقد عدم وجوبه مع الاستدامة، وإلا فقد أجمعت الأمة على أن من تمكن من الحج فلم يحج ومات لا يحكم بكفره بل هو عاص، فوجب تأويل الحديث لو صح، هكذا ذكر الشنقيطي في أضواء البيان أدلة الفريقين وأجوبتهم. والراحج عندنا هو ما ذهب إليه أحمد ومن وافقه لقوة أدلته، قال الشنقيطي: أظهر القولين عندي وألقيهما بعظمة خالق السماوات والأرض وهو أن وجوب أوامره جل وعلى كالحج على الفور على التراخي لما قدمنا من النصوص الدالة على الأمر بالمبادرة، وللخوف من مباغتة الموت كقوله:{وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} الآية، وما قدمنا معها من الآيات،