عند الدارقطني ومنها حديث عقبة بن عامر عند الطبراني بنحو حديث ابن عباس عند النسائي فهذه الأحاديث ليس فيها ذكر نذر الحج وهي مع ما تقدم حجة من قال: إن من وجب عليه الحج في الحياة وترك مالاً وجب أن يحج عنه وهي ظاهرة في ذلك لتشبيهه بدين الآدمي وأجاب المخالفون بأن الحج أعمال بدنية وإن كانت تحتاج إلى مال، والأعمال البدنية تسقط بالموت فلا وجوب لعمل بعد الموت، والذي يحج عنه متطوع وفاعل خيراً. قالوا: ووجه تشبيهه بالدين انتفاع كل منهما بذلك الفعل، فالمدين ينتفع بقضاء الدين عنه، والميت ينتفع بالحج عنه، ولا يلزم من قضاء الدين عن أحد أن القضاء عنه واجب، بل يجوز أن يكون قضاءه عنه غير واجب عليه، واحتجوا أيضًا بأن جميع الأحاديث الواردة بالحج عن الميت واردة بعد الاستئذان في الحج عنه، قالوا: والأمر بعد الاستئذان كالأمر بعد الحظر فهو للإباحة، لان الاستئذان والحظر الأول كلاهما قرينة على صرف الأمر عن الوجوب إلى الإباحة. ومن أمثلة كون الأمر بعد الاستئذان للإباحة أن الصحابة رضي الله عنهم لما سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عما اصطادوه بالجوارح واستأذنوه في أكله نزل في ذلك قوله تعالى:{فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}(٥: ٤) فصار هذا الأمر بالأكل للإباحة لأنه وارد بعد سؤال واستئذان، ومن أمثلته من السنة حديث مسلم: أأصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم - الحديث. فإن معنى ((نعم)) هنا ((صل فيها)) وهذا الأمر بالصلاة فيها للإباحة، لأنه بعد الاستئذان، وخلاف أهل الأصول في المسألة معروف. قال الشنقيطي بعد سرد الأحاديث المذكورة: هذه الأحاديث تدل قطعًا على مشروعية الحج عن المعضوب والميت، وقد قدمنا أن الأظهر عندنا وجوب الحج فورًا، وعليه فلو فرط وهو قادر على الحج حتى مات مفرطًا مع القدرة أنه يحج عنه من رأس ماله إن ترك مالاً، لأن فريضة الحج ترتبت في ذمته فكانت دينًا عليه، وقضاء دين الله صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث المذكورة بأحقيته حيث قال: فدين الله أحق أن يقضى. أما من عاجله الموت قبل التمكن فمات غير مفرط فالظاهر لنا أنه لا إثم عليه، ولا دين لله عليه لأنه لم يتمكن من أداء الفعل حتى يترتب في ذمته، ولن يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وقد تقدم أن مالكًا ومن وافقوه لم يعملوا بظاهر هذه الأحاديث المذكورة مع كثرتها وصحتها لأنها مخالفة عندهم لظاهر القرآن في قوله:{وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} وقوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} والمعضوب والميت ليس واحد منهما بمستطيع لصدق قولك: إنه غير مستطيع بنفسه، قال: وما اشتهر عن مالك أنه يقول: لا يحج أحد عن أحد، معناه عنده أن الصحيح القادر لا يصح الحج عنه في الفرض. والمعضوب عنده ليس بقادر، وأحرى الميت، فالحج عنهما من مالهما لا يلزم عنده إلا بوصية، فأن أوصى به صح من الثلث وتطوع وليه بالحج عنه خلاف الأولى عنده بل مكروه، والأفضل عنده أن يجعل ذلك المال الذي يحج به عنه في غير الحج كأن يتصدق به عنه أو يعتق به عنه ونحو ذلك، فإن أحرم بالحج عنه انعقد إحرامه وصح حجه عنه، والحاصل أن النيابة عن الصحيح في غير الفرض عنده مكروهة، والعاجز عنده لا فرض عليه أصلاً للحج، قال الشنقيطي: والأحاديث المذكورة حجة على مالك ومن وافقه، قلت: القول الراجح المعول عليه عندنا هو