الأمر في قوله:((واعتمر)) واردة بعد سؤال أبى رزين وقد قرر جماعة من أهل الأصول أن صيغة الأمر الواردة بعد المنع أو السؤال إنما تقتضي الجواز، لا الوجوب لأن وقوعها في جواب السؤال عن الجواز دليل صارف عن الوجوب إلى الجواز، والخلاف في هذه المسألة معروف - انتهى. والمشهور عن المالكية أن العمرة ليست بواجبة وهو قول الحنفية. واستدل القائلون بالوجوب أيضًا بما روي عن عمر في سؤال جبريل عن الإسلام، وفيه:((وأن تحج وتعتمر)) أخرجه ابن خزيمة، وابن حبان، والدارقطني وغيرهم، وأجيب عن هذا بأن الأمر مجرد اقتران العمرة بالأمور الواجبة المذكورة في الحديث لا يكون دليلاً على الوجوب لما تقرر في الأصول من ضعف دلالة الاقتران لاسيما وقد عارضه ما سيأتي من الأدلة القاضية بعدم الوجوب، فإن قيل: إن وقوع العمرة في جواب من سأل عن الإسلام يدل على الوجوب. فيقال: ليس كل أمر من الإسلام واجبًا، والدليل على ذلك حديث شعب الإسلام والإيمان، فإنه اشتمل على أمور ليست بواجبة بالإجماع، واستدلوا أيضًا بما رواه ابن عدي، والبيهقي، عن جابر مرفوعاً: الحج والعمرة فريضتان. وفيه: ابن لهيعة وهو ضعيف. وقال ابن عدي: هو غير محفوظ عن عطاء عن جابر. وأخرجه أيضًا الدارقطني من حديث زيد بن ثابت بزيادة ((لا يضرك بأيهما بدأت)) وأجيب عنه بأن في إسناده إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف. وفى الحديث أيضًا انقطاع. ورواه البيهقي موقوفًا على زيد. قال الحافظ: وإسناده أصح. واستدلوا أيضًا بحديث عائشة عند أحمد، وابن ماجة:((قالت: يا رسول الله أعلى النساء جهاد؟ قال: نعم عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة)) وقد ذكره المصنف في الفصل الثالث، وأجيب عنه بأن لفظة:((عليهن)) ليست صريحة في الوجوب فقد تطلق على ما هو سنة مؤكدة، وإذا كان محتملاً لإرادة الوجوب والسنة المؤكدة لزم طلب الدليل بأمر خارج، وقد دل دليل خارج على وجوب الحج، ولم يدل دليل خارج يجب الرجوع إليه على وجوب العمرة، وبحديث الصبي بن معبد، قال: أتيت عمر فقلت: يا أمير المؤمنين إني أسلمت وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما، فقال عمر: هديت لسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - وبحديث عمرو بن حزم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن كتابًا، وبعث به عمرو بن حزم، وكان في الكتاب: أن العمرة هي الحج الأصغر. أخرجه الدارقطني والأثرم. وبحديث ابن مسعود المتقدم بلفظ:((تابعوا بين الحج والعمرة)) وقد تقدم الجواب عنه، واستأنسوا بقوله تعالى:{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} قال ابن قدامة: ومقتضى الأمر الوجوب ثم عطفها على الحج، والأصل التساوي بين المعطوف والمعطوف عليه. قال ابن عباس: إنها لقرينة الحج في كتاب الله. وفيه: أن لفظ الإتمام مشعر بأنه إنما يجب بعد الإحرام لا قبله. ويدل على ذلك ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن يعلى بن أمية، قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرانة، عليه جبة وعليها خلوق فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فنزلت:{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} والسائل قد أحرم، وإنما سأل كيف يصنع؟ وقد انعقد الإجماع على وجوب إتمام الحج والعمرة ولو أفسدهما. قال ابن القيم: وليس في الآية فرضها، وإنما فيها إتمام الحج