(قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة) وفى رواية الدراقطني، وابن حبان، وابن ماجة: فاجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة. قال ابن حبان: قوله: اجعل هذه عن نفسك. أمر وجوب. وقوله: ثم حج عن شبرمة أمر إباحة - انتهى. قال السندي: مفاد الحديث أن من عليه حجة الإسلام وأحرم بغيرها لا يجب عليه المضي في الغير بل يجب عليه صرف ذلك الإحرام إلى حجة الإسلام، لأن جعل تلك الحجة عن نفسه لا يكون إلا كذلك - انتهى. قلت: ظاهر الحديث أنه لا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره سواء كان مستطيعًا أو غير مستطيع لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل هذا الرجل الذي سمعه يلبي عن شبرمة، وهو منزل منزلة العموم، وإلى ذلك ذهب الشافعي. وقال الثوري: أنه يجزئ حج من لم يحج عن نفسه ما لم يتضيق عليه، واستدل له بقوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية للدارقطني: أيها الملبي عن نبيشة! هذه عن نبيشة، واحجج عن نفسك، فكأنه جمع بين هذا وبين حديث الكتاب على من كان مستطيعًا، ولكن رواية الدارقطني هذه قد تفرد بها الحسن بن عمارة وهو متروك الحديث. وقد روى الدارقطني حديث نبيشة موافقًا لحديث شبرمة، وتقدم قول من قال: إن اسم شبرمة نبيشة، قال المحب الطبري: في الحديث دلالة للشافعي على أنه لا يحج عن الغير من لم يحج عن نفسه، فإن فعل انقلب إليه، ووجه الدلالة قوله:((ثم حج عن شبرمة)) وثم للترتيب فاقتضى ذلك أن يكون حجه عن الغير بعد حجه عن نفسه، فلغت الإضافة إلى الغير وبقي مجرد الإحرام فانصرف إليه لعدم القائل بالفصل إلا على رواية عن أحمد أنه لا ينعقد عنه ولا عن غيره ويؤيد ما ذكرنا رواية الدارقطنى، وابن ماجة وغيرهما بلفظ:((فاجعل هذه عن نفسك، ثم حج عن شبرمة)) وهو صريح في إثبات المقصود، وممن قال: لا يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه، أحمد ابن حنبل في إحدى الروايتين وهو: قول الأوزاعي، وإسحاق، وقال مالك، وأبو حنيفة: يجوز أن يحج عن غيره وعليه فرضه وهو قول الحسن، وعطاء الثوري، وبه قال ابن المنذر من الشافعية - انتهى مختصرًا. وقال ابن قدامة: ليس لمن لم يحج حجة الإسلام أن يحج عن غيره، فإن فعل وقع إحرامه عن حجة الإسلام، وبهذا قال الأوزاعي، والشافعي، وإسحاق. وقال أبو بكر عبد العزيز: يقع الحج باطلاً ولا يصح ذلك عنه ولا عن غيره. وقال الحسن، وإبراهيم، وأيوب السختياني، وجعفر بن محمد، ومالك، وأبو حنيفة: يجوز أن يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه، وحكي عن أحمد مثل ذلك. وقال الثوري: إن كان يقدر على الحج عن نفسه حج عن نفسه، وإن لم يقدر على الحج عن نفسه حج عن غيره، واحتجوا بأن الحج مما تدخله النيابة فجاز أن يؤديه عن غيره من لم يسقط فرضه عن نفسه كالزكاة، وقال ابن قدامة: ولنا ما روى ابن عباس، فذكر حديث شبرمة ثم قال: ويفارق الزكاة فإنه يجوز أن ينوب عن الغير وقد بقى عليه بعضها وها هنا لا يجوز أن يحج عن الغير من شرع في الحج قبل إتمامه. قال: إذا ثبت هذا فإن عليه رد ما أخذ من النفقة لأنه لم يقع الحج عنه فأشبه ما لو لم يحج - انتهى. وقال الأمير اليماني: الحديث دليل على إنه لا يصح أن يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه، فإذا أحرم عن غيره فإنه ينعقد إحرامه عن نفسه، لأنه - صلى الله عليه وسلم -