للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

..............................................................................................

ــ

أمره أن يجعله عن نفسه بعد أن لبى عن شبرمة فدل على أنها لم تنعقد النية عن غيره وإلا لأوجب عليه المضي فيه، وإن الإحرام ينعقد مع الصحة والفساد، وينعقد مطلقًا مجهولاً معلقًا، فجاز أن يقع عن غيره ويكون عن نفسه، وهذا لأن إحرامه عن الغير باطل لأجل النهي والنهي يقتضي الفساد، وبطلان صفة الإحرام لا يوجب بطلان أصله، وهذا قول أكثر الأمة أنه لا يصح أن يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه مطلقًا مستطيعًا كان أو لا، لأن ترك الاستفصال والتفريق في حكاية الأحوال دال على العموم، ولأن الحج واجب في أول سنة من سني الإمكان، فإذا أمكنه فعله عن نفسه لم يجز أن يفعله عن غيره، لأن الأول: فرض. والثاني: نفل. كمن عليه دين وهو مطالب به، ومعه دراهم بقدره لم يكن له أن يصرفها إلا إلى دينه، وكذلك كل ما احتاج أن يصرفه إلى واجب عنه فلا يصرفه إلى غيره إلا أن هذا إنما يتم في المستطيع، ولذا قيل: إنما يؤمر بأن يبدأ بالحج عن نفسه إذا كان واجبًا عليه، وغير المستطيع لم يجب عليه فجاز أن يحج عن غيره، ولكن العمل بظاهر عموم الحديث أولى - انتهى. قلت: وأعل ابن الهمام من الحنفية الحديث بالإضطراب في الرفع، والوقف، والإرسال، وبعنعنة قتادة، وهو معروف بالتدليس. قال: ولو سلم فحاصله أمره بأن يبدأ بالحج عن نفسه وهو يحتمل الندب فيحمل عليه بدليل إطلاقه - صلى الله عليه وسلم - قوله للخثعمية: حجى عن أبيك. من غير استخبارها عن حجها لنفسها قبل ذلك وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل مقام عموم الخطاب. قال: وحديث شبرمة يفيد استحباب تقديم حجة نفسه. وبذلك يحصل الجمع ويثبت أولوية تقديم الفرض على النفل مع جوازه - انتهى ملخصًا. قال القاري بعد ذكره: لكن بقي فيه أشكال على مقتضى قواعدنا من أن الشخص إذا تلبس بإحرام عن غيره لم يقدر على الانتقال عنه إلى الإحرام عن نفسه للزوم الشرعي بالشروع وعدم تجويز الانقلاب بنفسه فكيف في إطاعة الأمر سواء قلن: إنه للوجوب أو الاستحباب فلا مخلص عنه إلا بتضعيف الحديث أو نسخه. لأن حديث الخثعمية في حجة الوداع، أو بتخصيص المخاطب بذلك الأمر والله تعالى أعلم - انتهى. قلت: كل ما أعلو به الحديث وضعفوه به مدفوع كما ستعرف، وأما حمله على النسخ أو تخصيصه بالمخاطب بذلك الأمر ففيه أن حديث شبرمة خاص وحديث الخثعمية عام. ولا تعارض بين العام والخاص، فيقدم الخاص ويبنى العام عليه، والتخصيص خلاف الأصل حتى يرد المخصص صريحًا ولا مخصص ها هنا وأما حمل ابن الهمام وغيره من الحنفية حديث شبرمة على الندب والأولوية والتمسك لذلك بحديث الخثعمية بأن ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم في الأقوال، ففيه أنه لا تعارض بين الحديثين لما تقدم، فلا حاجة إلى تكلف الجمع بينهما، وقد تعقبه أيضًا صاحب فتح الملهم من الحنفية، وقد ذكرنا كلامه في شرح حديث الخثعمية فتذكر، وقال الشنقيطي بعد ذكر حديث شبرمة: فيه دليل على أن النائب عن غيره في الحج لا بد أن يكون قد حج عن نفسه حجة الإسلام وقاس العلماء العمرة على الحج في ذلك وهو قياس ظاهر، وخالف في هذا الاشتراط بعض العلماء كأبي حنيفة ومن وافقه فقالوا: يصح حج النائب عن غيره وإن لم يحج عن نفسه، واستدلوا بظواهر الأحاديث

<<  <  ج: ص:  >  >>