- صلى الله عليه وسلم - ويعضده الآثار المروية عن بعض الصحابة كما تقدم عن ابن عباس وابن الزبير. وأما إنكار عمر، وعثمان على بعض الصحابة فهو مما لا يعارض به الصحيح المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن سنته أولى بالاتباع من قول كل صحابي مع أنهم خالفهم بعض الصحابة وقد ثبت في صحيح مسلم أن عائشة أنكرت ذلك على ابن عمر رضي الله عنهم. قال الحافظ: ادعى المالكية أن ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - قاله المهلب وأبو الحسن القصار، وأبو الفرج من المالكية، قال بعضهم: لأن الطيب من دواعي النكاح فنهى الناس عنه وكان هو أملك الناس لإربه ففعله. ورجحه ابن العربي بكثرة ما ثبت له من الخصائص في النكاح، وقد ثبت عنه أنه قال: حبب إليّ النساء والطيب. أخرجه النسائي من حديث أنس، وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالقياس. وقال المهلب: إنما خص بذلك لمباشرته الملائكة لأجل الوحي. وتعقب بأنه فرع ثبوت الخصوصية، وكيف بها ويردها حديث عائشة بنت طلحة المتقدم، وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن عائشة قالت: طيبت أبي بالمسك لإحرامه حين أحرم. وقولها: طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي هاتين. أخرجه الشيخان. ومنها أن الدوام على الطيب بعد الإحرام كابتداء الطيب في الإحرام بجامع الاستمتاع بريح الطيب في حال الإحرام في كل منهما. وأجيب عن ذلك بأنه منتقض بالنكاح فإن ابتداء عقده في حال الإحرام ممنوع عند الجمهور خلافًا لأبى حنيفة مع الإجماع على جواز الدوام على نكاح وقع عقده قبل الإحرام، ثم أحرم بعد عقده الزوجان وهو دليل على أنه ما كل دوام كالابتداء، وقد تقرر في الأصول أن المانع بالنسبة إلى الابتداء والدوام ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: هو المانع للدوام والابتداء معًا كالحديث، فإنه مانع من ابتداء الصلاة، مانع من الدوام عليها إذا طرأ في أثناءها. والثاني: هو المانع للدوام فقط دون الابتداء كالطلاق فإنه مانع من الدوام على العقد الأول والاستمتاع بالزوجية بموجبه، وليس مانعًا من ابتداء عقد جديد والاستمتاع بها بموجبه. والثالث: هو المانع من الابتداء فقط دون الدوام كالنكاح بالنسبة إلى الإحرام، فإن الإحرام مانع من ابتداء العقد، وليس مانعًا من الدوام على عقد كان قبله. قالوا: ومن هذا الطيب فإن الإحرام مانع من ابتدائه، وليس مانعًا من الدوام عليه. ومنها أن حديث عائشة المذكور يقتضي إباحة الطيب لمن أراد الإحرام، وحديث يعلى بن أمية يقتضي منع ذلك والمقر في الأصول أن الدال على المنع مقدم على الدال على الإباحة والجواز، لأن ترك مباح أهون من ارتكاب حرام. وأجيب عنه بأن محل ذلك فيما إذا جهل المتقدم منهما، أما إذا علم المتقدم فإنه يجب الأخذ بالمتأخر، لأنهم كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث، وقصة يعلى وقعت بالجعرانة عام ثمان بلا خلاف، وحديث عائشة في حجة الوداع عام عشر، ومن المقرر في الأصول أن النصين إذا تعارضا وعلم المتأخر منهما فهو ناسخ للأول كما هو معلوم في محله. ومنها أن حديث يعلى من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظه الصريح في الأمر بإزالة الطيب وإلقائه من البدن وظاهره العموم لأن خطاب الواحد يعم حكمه الجميع لاستواء الجميع في التكليف، والعموم القولي لا يعارضه فعل