إن التحلل الأول لا يكون إلا بعد الرمي والحلق معًا، ومن قال: إن الحلق غير نسك، قال: يحصل التحلل الأول بمجرد انتهائه من رمي جمرة العقبة يوم النحر، قال مالك: إذا رمى جمرة العقبة فقد حل له قتل القمل، وحلق الشعر، وإلقاء التفث ولبس الثياب. قال الزرقاني: ولم يبق عليه من محرمات الإحرام سوى النساء والصيد، وكره الطيب حتى يطوف للإفاضة - انتهى. قال الباجى: وذلك أن موانع الإحرام على ضربين: رفث، وإلقاء تفث، فالرفث هو الجماع، وما في معناه مما يدعو إليه، وأما إلقاء التفث فهو كحلق الشعر، وخلع ثياب الإحرام، فأما إلقاء التفث فهو مباح بأول التحللين وهو رمي الجمرة، وأما الرفث فإنه لا يستباح إلا بآخر التحللين وهو طواف الإفاضة - انتهى. قال الدردير: حل برميها أي جمرة العقبة، وكذا بخروج وقت أدائها غير جماع ومقدماته وغير صيد، فحرمتهما باقية، وكره الطيب وهذا هو التحلل الأصغر. ومذهب الحنفية في المشهور عندهم أن الرمي غير محلل، ولا يحصل التحلل عندهم إلا بالحلق أو التقصير، قال الشنقيطي (ج٥: ص٢٨٨) : مذهب مالك أنه بمجرد رمي جمرة العقبة يوم النحر يحل له كل شيء إلا النساء والصيد والطيب، والطيب مكروه عنده بعد رميها لإحرام. وإن طاف طواف الإفاضة وكان قد سعى حل له كل شيء. ومذهب أبى حنيفة أنه إذا حلق أو قصر حل التحلل الأول ويحل به كل شيء عنده إلا النساء، وإن طاف طواف الإفاضة حل له النساء، وهم يقولون: إن حل النساء بعد الطواف إنما هو بالحلق السابق لا بالطواف لأن الحلق هو المحلل دون الطواف غير أنه أخر عمله إلى ما بعد الطواف فإذا طاف عمل الحلق عمله، كالطلاق الرجعي أخر عمله إلى انقضاء العدة لحاجته إلى الاسترداد، فإذا انقضت عمل الطلاق عمله فبانت. والدليل على ذلك أنه لو لم يحلق حتى طاف بالبيت لم يحل له شتى حتى يحلق، وبذلك تعلم أن المدار عندهم على الحلق، إلا أن الحلق عندهم بعد رمي جمرة العقبة وبعد النحر إن كان الحاج يريد النحر، ومذهب الشافعي أنه على القول بأن الحلق نسك يحصل التحلل الأول باثنين من ثلاثة: هي رمي جمرة العقبة، والحلق، وطواف الإفاضة. فإذا فعل اثنين من هذه الثلاثة تحلل التحلل الأول، وإن فعل الثالث منها تحلل التحلل الثاني. وبالأول: يحل عنده كل شيء إلا النساء، وبالثاني: تحل النساء، وعلى القول بأن الحلق ليس بنسك، فالتحلل الأول يحصل بواحد من اثنين هما: رمي جمرة العقبة، وطواف الإفاضة، ويحصل التحلل الثاني بفعل الثاني، ومذهب الإمام أحمد أنه إن رمى جمرة العقبة ثم حلق تحلل التحلل الأول، وبه يحل عنده كل شيء إلا النساء. فإن طاف طواف الإفاضة حلت له النساء - انتهى. وقال ابن قدامة (ج٣: ص٣٩٢) : قول الخرقي: ((قصر من شعره ثم قد حل)) يدل على أنه لا يحل إلا بعد التقصير، وهذا ينبني على أن التقصير نسك وهو المشهور، فلا يحل إلا به، وفي رواية أخرى: أنه إطلاق من محظور. وقال أيضاً (ج٣: ص٤٣٩) : ظاهر كلام الخرقي أن الحل إنما يحصل بالرمي والحلق معا وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وهو قول الشافعي، وأصحاب الرأي لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا